باب ترك الوضوء من القبلة
عن عائشة، «أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ»، قال: قلت: من هي إلا أنت؟ فضحكت. وقد روي نحو هذا عن غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعين، وهو قول سفيان الثوري، وأهل الكوفة، قالوا: ليس في القبلة وضوء، وقال مالك بن أنس، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق: «في القبلة وضوء»، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين. وإنما ترك أصحابنا حديث عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا لأنه لا يصح عندهم لحال الإسناد. وسمعت أبا بكر العطار البصري يذكر، عن علي بن المديني، قال: ضعف يحيى بن سعيد القطان هذا الحديث، وقال: هو شبه لا شيء وسمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث، وقال: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة، وقد روي عن إبراهيم التيمي، عن عائشة، «أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ»، وهذا لا يصح أيضا، ولا نعرف لإبراهيم التيمي سماعا من عائشة، وليس يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أملَكَ النَّاسِ لإرْبِه، وكان يُحِبُّ زَوْجاتِه، وربَّما قَبَّلَ بعضَهُنَّ وهو مُتوضِّئٌ، كما تقولُ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها في هذه الحَديثِ: "كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُقبِّلُ بعضَ أزواجِه"، أي: يُلمِسُ بَشَرتَه بَشَرةَ المرَأةِ ونَحوَ ذلك لا الجِماعَ، "ثُمَّ يُصلِّي ولا يَتَوضَّأُ"، أي: يُصلِّي بوُضوئِه الذي عليه، ولا يَعتَبِرُ القُبْلةَ ناقِضَةً للوُضوءِ، ففيه أنَّ مسَّ المرأةِ لا يَنقُضُ الوُضوءَ مُطلقًا، ولو بشَهوةٍ, إلَّا إنْ خرَجَ مِن المتوضِّئ شيءٌ؛ فدلَّ على عَدمِ لزومِ الوُضوءِ من أجْلِ قُبْلةِ الرَّجُلِ امرَأتَه؛ لعَدَمِ انتِقاضِه، والحُكمُ يَشمَلُ الرَّجُلَ والمرَأةَ. .