باب الفتن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم6-2

سنن الترمذى

باب الفتن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم6-2

حدثنا عبد بن حميد قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، وأبي بكر بن سليمان وهو ابن أبي حثمة، أن عبد الله بن عمر قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قال: «أرأيتكم ليلتكم هذه على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد» قال ابن عمر: فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك فيما يتحدثونه من هذه الأحاديث عن مائة سنة، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد»، يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن: هذا حديث حسن صحيح

أَطْلَعَ اللهُ سُبحانه وتعالى نبيَّه محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على بعضٍ مِن أُمورِ الغيبِ؛ إظهارًا لنُبوَّتِه، ولتَظَلَّ هذه النُّبوءاتُ دليلًا للأجيالِ التي تَعقُبُه، وخاصَّةً في الأمورِ التي أخبَرَ أنَّها ستَقعُ بعدَ وَفاتِه.
وفي هذا الحديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عمرَ رضِيَ اللهُ عنهما: "صلَّى بنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ ليلةٍ صلاةَ العشاءِ في آخرِ حياتِه، فلمَّا سلَّمَ قال: أرأيْتَكم لَيلتَكم هذه"، أي: أعلِمْتُم حسابَ زمانِ هذه اللَّيلةِ؟ فإذا عَلِمْتُم وحسَبْتُم ذلك، فاعْلَموا أنَّه "على رأسِ مائةِ سنةٍ منها"، أي: بعدَ مرورِ مائةِ سنةٍ ابتداءً مِن هذه اللَّيلةِ، "لا يَبْقى ممَّن هو على ظهْرِ الأرضِ أحدٌ"، والمرادُ أنَّ كلَّ نفْسٍ بشريَّةٍ مَنفوسةٍ ومخلوقةٍ وموجودةٍ على وجْهِ الأرضِ، وكانتْ تلك اللَّيلةَ على الأرضِ، فإنَّها لا تَعيشُ بعدَها أكثرَ مِن مِئةِ سَنةٍ، سواءٌ قلَّ عُمُرُها قَبْلَ ذلك أمْ لا، وليسَ فيه نَفْيُ عَيْشِ أحدٍ يُوجَدُ بعدَ تلكَ اللَّيلَةِ فوقَ مائةِ سنةٍ، "فوَهِلَ النَّاسُ مِن مقالةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تلك فيما يَتحدَّثونه مِن هذه الأحاديثِ عن مائةِ سنةٍ"، أي: فَزِعوا وأصابهم ضربٌ مِن الغلَطِ في التَّأويلِ؛ وذلك أنَّهم قد فَهِموا مقصدَ كلامِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ السَّاعةَ تقومُ عندما تُقْضى مائةُ سنةٍ، فأنكَرَ عليهم ابنُ عمَرَ هذا التَّأويلَ، وقال: "وإنَّما قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا يَبْقى ممَّن اليومَ على ظَهْرِ الأرضِ أحدٌ، يُرِيد بذلك أنْ يَنخرِمَ ذلك القرْنُ"، أي: يَنْتهي القرْنُ، وهو يُساوي مِئةَ سنةٍ، فلا يَبْقى أحدٌ ممَّن كان موجودًا في هذه اللَّيلةِ؛ وإنَّما أرادَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ هذه المُدَّةَ تَخترِمُ الجِيلَ الذي هُم فيه؛ فوَعظَهم بقِصَرِ أعمارِهم, وأَعْلَمَهم أنَّ أعمارَهم ليستْ كأعمارِ مَن تَقدَّمَ مِن الأُممِ؛ ليَجتهِدوا في العِبادةِ.
وفي الحديثِ: عَلَمٌ مِنْ أَعلامِ نُبوَّتِه صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفيه: بيانُ انقِراضِ كُلِّ مَن كان حيًّا في ذلك الوقتِ بَعدَ مُدَّةٍ لا تتجاوزُ مِئةَ سَنةٍ مِن وقتِ تِلك المقالةِ .