باب حسن العهد من الإيمان
بطاقات دعوية
عن عائشة رضي الله عنها قالت:
ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة، [وما رأيتها 4/ 231]، ولقد هلكت قبل أن يتزوجني بثلاث سنين- لما كنت أسمعه يذكرها (وفي رواية: لكثرة ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياها، وثنائه عليها 6/ 158)، ولقد أمره ربه أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب، وإن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليذبح الشاة، [ثم يقطعها أعضاء]، ثم يهدي في خلتها منها [ما يسعهن]، (وفي رواية: ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا إلا خديجة! فيقول:
"إنها كانت، وكانت، وكان لي منها ولد").
خَديجةُ بنتُ خُوَيلِدٍ أمُّ المؤمِنينَ رَضيَ اللهُ عنها، أوَّلُ مَن أسلَمَ مِن النِّساءِ، وأوَّلُ زَوْجاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكانت أحَبَّ نِسائِه إليه، ولم يَتزوَّجْ غيرَها في حَياتِها حتَّى توُفِّيَت.
وفي هذا الحَديثِ تُخبِرُ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّها ما غارَتْ مِن أحَدٍ مِثلَما غارَتْ مِن خَديجةَ رَضيَ اللهُ عنها؛ وذلك لكَثرةِ ذِكرِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إيَّاها، وكَثرةُ الذِّكرِ تدُلُّ على كَثرةِ المَحبَّةِ، وأصْلُ غَيْرةِ المَرأةِ مِن تَخيُّلِ مَحبَّةِ غَيرِها أكثرَ منها.
وقولُها: «هلَكَتْ قبْلَ أنْ يَتزَوَّجَني»، أي: ماتَتْ خَديجةُ رَضيَ اللهُ عنها قبْلَ أنْ يَتزوَّجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعائشةَ رَضيَ اللهُ عنها، وكانت قد ماتَتْ قبْلَ هِجْرةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى المَدينةِ بثَلاثِ سِنينَ.
وقدْ أمَرَه اللهُ أنْ يُبشِّرَ خَديجةَ رَضيَ اللهُ عنها ببَيتٍ مِن قصَبٍ، والمُرادُ به اللُّؤْلؤُ المُجوَّفُ الواسِعُ، وقيلَ: قَصَبٌ مِن ذهَبٍ مَنْظومٍ بالجَواهرِ، وقد كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا ذَبَحَ ذَبيحةً يُرسِلُ إلى خَلائلِها، أي: صَديقاتِها، ما يَكْفِيهنَّ، وذلك بعْدَ مَوتِها رَضيَ اللهُ عنها.
وفي الحَديثِ: عِظَمُ قَدْرِ خَديجةَ رَضيَ اللهُ عنها عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وعلى مَزيدِ فَضلِها.
وفيه: دَلالةٌ لحُسنِ العَهدِ، وحِفظِ الوُدِّ، ورِعايةِ حُرْمةِ الصَّاحبِ والمُعاشِرِ حَيًّا وميِّتًا، وإكْرامُ مَعارفِ ذلك الصَّاحبِ.
وفيه: أنَّ الغَيْرةَ غَريزةٌ في النَّفْسِ، لا يُلامُ عليها الإنْسانُ إذا لم تَزِدْ عن حَدِّها الطَّبيعيِّ، أو تُؤدِّي لفِعلٍ مُحرَّمٍ.