باب كيف يقبض العبد والمتاع؟

بطاقات دعوية

باب كيف يقبض العبد والمتاع؟

عن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما أنه قال: قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقبية، ولم يعط مخرمة منها شيئا، (وفي رواية: أهديت له أقبية من ديباج مزررة بالذهب، فقسمها في أناس من أصحابه، وعزل منها واحدا لمخرمة بن نوفل 4/ 51)، فقال [لي أبي 3/ 153] مخرمة: يا بني! [403 - إنه بلغني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدمت عليه أقبية، فهو يقسمها، فـ 7/ 50] انطلق بنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، [عسى أن يعطينا منها شيئا]، فانطلقت معه، [فوجدنا النبي - صلى الله عليه وسلم - في منزله]، فقال [لي: يا بني!] ادخل ،فادعه لي، [فأعظمت ذلك، فقلت: أدعو لك رسول الله؟! فقال: يا بني! إنه ليس بجبار]، قال: فدعوته له، (وفي رواية: فقام أبي على الباب، فتكلم، فعرف النبي - صلى الله عليه وسلم - صوته)، فخرج إليه وعليه قباء منها [من ديباج، مزرر بالذهب] [وهو يريه محاسنه]، فقال:
" [يا مخرمة (وفي رواية: يا أبا المسور!] خبأنا هذا لك (وفي رواية: يا أبا المسور! خبأت هذا لك، يا أبا المسور! خبأت هذا لك"، وكان في خلقه شدة)، [فأعطاه إياه]، قال: فنظر إليه، فقال: رضي مخرمة

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكثَرَ النَّاسِ تَواضُعًا، وكان عامَّةُ أصحابِه رِضوانُ اللهِ عليهم يَعرِفون تَواضُعَه.
وفي هذا الحديثِ ما يَدُلُّ على ذلك، حيث أخْبَر المِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ رضِي اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جاءتْ له أَقْبِيَةٌ، وهي نَوْعٌ من الثِّيابِ ضَيِّقٌ مِن لباسِ العَجَمِ، فعَلِم أبوهُ بذلك، وأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُوزِّعها على أصحابِه، فأَخَذ ابْنَه المِسْوَرَ وذَهَبَا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وزاد البخاريُّ في روايةٍ أُخرى أنَّه قال لابنِه: «عسى أن يُعطِيَنا منها شيئًا»، فلما ذَهَبا وَجَداه في بَيْتِه، فقال مَخْرَمَةُ لابنِه: ادْعُ لي النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فاسْتَعْظَمَ المِسْوَرُ أنْ يَدْعُوَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأبِيه؛ لأنَّ رفيعَ مَقامِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وشريفَ مَنزِلَتِه لا يقتضي ذلك، فقال لأبِيه مُستنكِرًا: أَدْعُو لك رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟! كأنَّه يريدُ أن يقولَ: بل نذهَبُ إليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مكانِه الذي هو فيه، فقال أبوهُ: يا بُنَيَّ، إنَّه لَيْسَ بِجَبَّارٍ، أي: ليس من صفاتِه الكِبْرُ الذي يمنَعُه من إجابةِ مَن دعاه، فدَعَاه المِسْوَرُ، فخَرَج النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم -مِن تَواضُعِه- إليه، وكان عليه قَبَاءٌ مِن دِيبَاجٍ، وهو نَوْعٌ نَفيسٌ مِن الحَرِيرِ، «مُزَرَّرٌ بالذَّهَبِ»، فَقالَ: «يا مَخْرَمَةُ، هذا خَبَأْنَاهُ لكَ»، يعني: احْتَفَظْنَا به لك، «فأعْطَاهُ إيَّاهُ»، وهذا يَحتمِل أنْ يكونَ قبْلَ تَحريمِ الذَّهَبِ والحريرِ، ويَحتمِلُ أنْ يكونَ بعْدَه، فيكونُ إعطاؤُه له لِيَنْتَفِعَ به؛ بأنْ يَبِيعَه أو يَكْسُوَه النِّساءَ، ويكونُ معنَى قولِه «فخَرَج وعليه قَبَاءٌ»، أي: على يَدِه، فيكونُ مِن إطلاقِ الكُلِّ على البَعْضِ.
وفي الحَديثِ: دُعاءُ الخَليفةِ والعالمِ وإخراجُه لِمَا يَظهَرُ إليه مِن حاجاتِ النَّاسِ، وأنَّ ذلِك مِن التَّواضُعِ والفَضْلِ.
وفيه: حُسنُ تلَطُّفِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأصحابِه.