باب دخول مكة3
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن عمرو بن عثمان
عن أسامة بن زيد، قال: قلت: يا رسول الله، أين تنزل غدا؟ وذلك في حجته، قال: "وهل ترك لنا عقيل منزلا؟ " ثم قال: "نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة -يعني المحصب- حيث قاسمت قريش على الكفر" وذلك أن بني كنانة حالفت قريشا على بني هاشم أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم (1).
قال معمر: قال الزهري: والخيف: الوادي
لقدْ آذَى المشرِكونَ مِن أهلِ مَكَّةَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومَن أسلَمَ معه أشدَّ أنواعِ الأذَى، حتَّى إنَّه لم يَسلَمْ مِن أذاهم أهلُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعَشيرتُه؛ مَن أسلَمَ منهم ومَن لم يُسلِمْ؛ فإنَّ قُريشًا وكِنانةَ كَتَبوا كِتابًا وعقَدُوا بيْنهم عَقْدًا على بَني هاشمٍ وبني عبدِ المطَّلِبِ ألَّا يَقَعَ بيْنَهم عقْدُ نِكاحٍ؛ بألَّا يَتزوَّجَ قُريشٌ وكِنانةُ امرأةً مِن بني هاشمٍ وبني عبدِ المطَّلِبِ، ولا يُزوِّجوا امرأةً منهم إيَّاهم، وألَّا يَبيعوا لهم ولا يَشترُوا منهم، ولا يُخالطوهم ولا يكونَ بيْنهم وبيْنهم شَيءٌ مْطلقًا، وفي هذا الحديثِ أشارَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِلمكانِ الَّذي تَقاسَموا، أي: تَعاهدوا فيهِ على إيذاءِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعلى الكُفرِ، فقالَ لهم في يومِ النَّحرِ في الحجِّ: نحن نازِلون غَدًا بِخَيفِ بني كِنانةَ، والخَيفُ: الوادي، وهذا المكانُ هو المُحَصَّبُ، وهو بيْن مكَّةَ ومِنًى. وهو مُبتدَأُ بَطحاءِ مَكَّةَ، وهو مَوجودٌ الآنَ في أوائلِ مكَّةَ في ما يُسمَّى قصْرَ السَّقافِ.
واختُلِفَ في سَببِ نُزولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فقيل: نَزَلَ فيه نُزولًا تابعًا للنُّسكِ، وإنَّه سُنَّةٌ، كما كان يرَى عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما، وقيل: ليس بسُنَّةٍ؛ فقد رَوى أبو داودَ -وأصلُه عِندَ البُخاريِّ- قالتْ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها: «إنَّما نَزَل رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المُحصَّبَ؛ لِيَكونَ أسمَحَ لِخُروجِه، وليسَ بسُنَّةٍ، فمَن شاء نزَلَه، ومَن شاء لم يَنزِلْه»، فنُزولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الأبطَحِ؛ لِيَكونَ أسْمَحَ وأسهَلَ لِخُروجِه راجِعًا إلى المدينةِ، ولِيَكونَ أسرَعَ، ولِيَستوِيَ البَطيءُ والمتعذِّرُ، ويَكونَ مَبيتُهم وقيامُهم في السَّحَرِ، ورَحيلُهم بأجمَعِهم إلى المدينةِ.