باب ما جاء في خلع النعلين في المقابر
سنن ابن ماجه
حدثنا علي بن محمد، حدثنا وكيع، حدثنا الأسود بن شيبان، عن خالد بن سمير، عن بشير بن نهيك
عن بشير ابن الخصاصية، قال: بينما أنا أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، "قال: يا ابن الخصاصية ما تنقم على الله؟ أصبحت تماشي رسول الله" فقلت: يا رسول الله، ما أنقم على الله شيئا، كل خير. قد آتانيه الله. فمر على مقابر المسلمين، فقال: "أدرك هؤلاء خيرا كثيرا". ومر على مقابر المشركين، فقال: "سبق هؤلاء خيرا كثيرا (3) "
الأمواتُ لهم حقٌّ كَما للأحياءِ حقٌّ، ومِن حُقوقِهم ألَّا يتَسبَّبَ أحَدٌ في أيِّ شيءٍ يُؤذيهم بأيِّ صورةٍ كانت.
وفي هذا الحديثِ أنَّ بَشيرًا مَوْلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكان اسمُه في الجاهليَّةِ زَحْمَ بنَ مَعبَدٍ، فهاجرَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: "ما اسمُك؟" قال: زَحْمٌ، قال: "بل أنت بَشيرٌ"، وهو بَشيرُ بنُ الخَصاصِيَةِ، والخصاصيَةُ أمُّه أو إحدى جَدَّاتُه، واسمُ أبيه مَعبدٌ، "قال"، أي: بَشيرٌ: "بينَما أنا أُماشي"، أي: بينما أنا أَمْشي معه، "رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مرَّ بقُبورِ المُشرِكينَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لقد سَبَق هؤلاءِ خيرًا كثيرًا"، أي: فاتَهم خيرٌ كثيرٌ ولم يُدرِكوه؛ بسبَبِ أنَّهم ماتوا قبلَ ذلك، "ثلاثًا"، أي: قالها ثلاثَ مرَّاتٍ، "ثمَّ مرَّ بقُبورِ المسلِمين، فقال" رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لقَد أدرَك هؤلاءِ خيرًا كثيرًا"؛ لأنَّهم أسلَموا واتَّبَعوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "وحانَت"، أي: وقعَت فجأةً "مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نظرةٌ، فإذا رجُلٌ يَمْشي في القُبورِ"، أي: يَمشي بينَ القُبورِ، "عليه"، أي: على رِجلَيْه "نَعلانِ، فقال: يا صاحبَ السِّبتيَّتَينِ"، والنِّعالُ السِّبتيَّةُ تَكونُ مَصنوعةً مِن جِلدِ البقَرِ المَدْبوغِ الَّذي أُزيلَ شَعرُه "وَيْحَك!"، وهي كلمةٌ تُقالُ للتَّحذيرِ والزَّجرِ عن فِعلِ شيءٍ ما، "أَلْقِ سِبْتيَّتَيك"؛ أيِ: اخْلَعِ النَّعلَينِ واترُكْهما، "فنظَر الرَّجلُ، فلمَّا عرَف رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خلَعَهما فرَمى بهما"، أي: خلَع النَّعلَينِ مِن رِجلَيه؛ امتِثالًا لأمرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفي الحديثِ: تغييرُ الاسمِ القَبيحِ إلى الاسمِ الحَسنِ.
وفيه: احترامُ المقابِرِ، والنَّهيُ عن لُبسِ النِّعالِ السِّبتيَّةِ فيها.
وفيه: مُسارعةُ الصَّحابةِ إلى الامتِثالِ لأمرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.