- باب ذكر التوبة2
سنن ابن ماجه
حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب المدني، حدثنا أبو معاوية، حدثنا جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم
عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو أخطأتم حتى تبلغ خطاياكم السماء، ثم تبتم لتاب الله عليكم" (1)
اللهُ سُبحانَه هو التَّوَّابُ الرَّحيمُ والغَفورُ الكَريمُ، وقد فتَح بابَ رَحمتِه لعِبادِه العاصين مَهما بلَغَتْ ذُنوبُهم.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو هريرةَ رَضي اللهُ عنه: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، قال: "لو أخطَأتُم حتَّى تَبلُغَ خطاياكم السَّماءَ"، أي: في كَثْرتِها وعِظَمِها، "ثمَّ تُبتُم"، أي: تاب أصحابُ تلك الخَطايا، "لتاب اللهُ علَيكم"، أي: قَبِلَ اللهُ عزَّ وجلَّ تلك التَّوبةَ وغفَرَ لأصحابِها، وهذا مِن رحمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ بعِبادِه أنَّه فتَح لهم طريقًا للعَودةِ إلى طَريقِ الفلاحِ وترْكِ طريقِ الفَسادِ، ولقَبولِ التَّوبةِ شروطٌ عُرِفتْ مِن استِقْراءِ نُصوصِ كِتابِ اللهِ تعالى وسُنَّةِ رسولِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
ومِن تِلك الشُّروطِ: أنْ تكونَ التَّوبةُ خالِصةً لوجهِ اللهِ تعالى، فلا يُرادَ بها الدُّنيا أو مَدْحُ النَّاسِ وثناؤُهم، ثمَّ الإقلاعُ عن المعصيةِ، ثمَّ النَّدمُ على فِعلِها، مع العزْمِ على عدَمِ العودةِ إليها، ثمَّ إرجاعُ الحقوقِ إلى أصحابِها إنْ كانتِ المعصيةُ حُقوقًا للآخَرين، وأنْ تكونَ التَّوبةُ قبلَ طُلوعِ الشَّمسِ مِن مغرِبِها، وقبلَ حضورِ الموتِ.
ومِن علاماتِ صحَّةِ التَّوبةِ: أنْ يكونَ العبدُ بعدَ التَّوبةِ خيرًا منه قبلَها؛ فيُكثِرَ مِن عمَلِ الصَّالحاتِ، ومُصاحَبةِ أهلِ الصَّلاحِ، ويَحرِصَ على تَرْكِ المعاصي والسَّيِّئاتِ، والابتعادِ عن أهلِ الزَّيغِ والانحِرافِ، وأنْ يكونَ الخَوفُ مُصاحِبًا له فلا يأمَنَ مِن مَكْرِ اللهِ.
وفي الحديثِ: بيانُ رحْمةِ اللهِ بعِبادِه؛ بفَتْحِه بابَ التَّوبةِ والرُّجوعِ إلى طاعتِه لكلِّ عاصٍ قبلَ موتِه.
وفيه: دَعوةٌ إلى عدَمِ تَقنيطِ المذنِبِ والعاصي مِن رَحمةِ اللهِ.