باب المرتد عن دينه2
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو أسامة، عن بهز بن حكيم، عن أبيه
عن جده، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقبل الله من مشرك أشرك بعدما أسلم عملا، حتى يفارق المشركين إلى المسلمين" (1)
الرِّدَّةُ عنِ الإسلامِ شأنُها خطيرٌ، وهي مُحبِطةٌ لكلِّ عَملٍ، إلا مَن تابَ ورجَع وعادَ إلى الإسلامِ والمُسلِمينَ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ بَهْزُ بنُ حَكيمٍ، عن أبيه، عَن جَدِّه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَليه وسلَّم قال: "لا يَقبَلُ اللهُ مِن مُشرِكٍ أشرَكَ بعدَما أسلَمَ عَملًا"، وتَخصيصُ مَن أشرَكَ بعدَما أسلَمَ بالذِّكْرِ لِتَقبيحِ حالِه، وإلَّا فكُلُّ مُشرِكٍ كذلك. وإذا أسلَم بعدَ ذلك يُقبَلُ منه ما عَمِلَه حالَ الشِّرْكِ مِن الحسَناتِ، وقيل: إنَّه يُقبَلُ له الأعمالُ المتأخِّرةُ عن الإسلامِ إذا أسلَم. "حتَّى يُفارِقَ المشرِكين إلى المسلِمين" وذلك بأن يُهاجِرَ مِن دَارِهم؛ فإنَّ الهِجْرةَ مِن دارِ الكُفرِ واجبةٌ؛ لأنَّ الإنسانَ لا يأمَنُ على دِينِه في دِيارِ المشرِكين، وإقامةُ المسلِمِ في بلادِ الكُفرِ لا بدَّ فيها مِن شرطَيْنِ أساسيَّينِ؛ الأوَّلُ: الأمْنُ على دِينِه، وأن يَكونَ عِندَه مِن العلمِ والإيمانِ وقُوَّةِ العزيمةِ ما يُطَمئِنُه على الثَّباتِ على دينِه والحذَرِ مِن الانحرافِ والزَّيغِ، والشَّرطُ الثَّاني: أن يتَمكَّنَ مِن إظهارِ دينِه بحَيثُ يَقومُ بشَعائرِ الإسلامِ بدُونِ مُمانِعٍ، فلا يَمنَعُ مِن إقامةِ الصَّلاةِ والجُمعةِ والجماعاتِ، وإلَّا فقد وجَب عليه الهجرةُ إلى أرضِ الإسلامِ.
ويَحتمِلُ أن يَكونَ المعنى: حتَّى يُفارِقَ المشرِكين في زيِّهم وعادتِهم إلى زِيِّ المسلِمين في العاداتِ والمعامَلاتِ؛ فإنَّ مَن تَشبَّهَ بقومٍ فهُو مِنهم. ويُمكِنُ أن يَكونَ المعنى: تَعلُّقَ أعمالِه حتَّى يَرجِعَ عن رِدَّتِه ويَهجُرَ أرضَ المشرِكين إلى بِلادِ المسلِمين.
وفي الحديثِ: بيانُ أنَّ الرِّدَّةَ عن الإسلامِ تُحبِطُ الأعمالَ.