باب غزوة الحديبية، وقول الله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} 2
بطاقات دعوية
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية:
«أنتم خير أهل الأرض». وكنا ألفا وأربعمائة (104)، ولو كنت أبصر اليوم؛ لأريتكم مكان الشجرة.
الَّذين بايَعوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ الحُدَيْبيَةِ لهم أجْرٌ عَظيمٌ، ورِضْوانٌ مِن اللهِ؛ فقدْ نزَلَ القُرآنُ مُثنِيًا عليهم، ومُبشِّرًا لهم برِضا الحقِّ سُبحانَه عنهم، قال تعالَى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18].
وفي هذا الحَديثِ يُبيِّنُ جابِرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما جانِبًا من هذا الفَضلِ الكَبيرِ الَّذي نالَه أهلُ الحُدَيْبيَةِ؛ فذكَرَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال لهم يَومَ الحُدَيْبيَةِ: «أنتم خَيرُ أهلِ الأرضِ»، وهذا صَريحٌ في فَضلِ أصْحابِ الشَّجرةِ رَضيَ اللهُ عنهم؛ فقد كان مِن المُسلِمينَ إذ ذاك جَماعةٌ بمَكَّةَ وبالمَدينةِ وبغَيرِهما، وعُثمانُ بنُ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه منهم، وإنْ كان حينَئذٍ غائِبًا بمَكَّةَ؛ لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بايَعَ عَنه، فاسْتَوى معَهم، ففضَّلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَن بايَعَ على أهلِ الأرضِ جَميعِهم مؤمِنِهم وكافِرِهم، وكان هذا في العامِ السَّادِسِ مِن الهِجْرةِ، عندَما خرَج النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصْحابُه قاصِدينَ مكَّةَ لأداءِ العُمْرةِ، فنزَلَ في مِنطَقةِ الحُدَيْبيَةِ، وهي اسمُ بِئرٍ على بُعدِ 35 كم تَقْريبًا مِن مكَّةَ، وأرسَلَ عُثْمانَ بنَ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه إلى قُرَيشٍ يُخبِرُها أنَّهم قَدِموا لأداءِ العُمرةِ، ولا يُريدونَ حَربًا، فرفَضَتْ قُرَيشٌ دُخولَهم مكَّةَ، ومنَعَتْهمُ العُمرةَ، وأُشيعَ وقتَها أنَّ عُثمانَ بنَ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه قد قُتِلَ، فاجتمَعَ الصَّحابةُ حَولَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وبايَعوه على المَوتِ في سَبيلِ اللهِ، فيما عُرِفَ ببَيْعةِ الرِّضْوانِ، وانْتَهى الأمرُ بأنْ عقَدَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صُلحَ الحُدَيْبيَةِ معَ قُرَيشٍ، ومِن ضِمنِ ما اتَّفَقوا عليه أنْ يَرجِعَ مِن عُمْرتِه في هذه السَّنةِ، ثمَّ يَرجِعَ، فيَعتَمِرَ في العامِ المُقبِلِ على أنْ تَتْرُكَ له قُرَيشٌ البَيتَ الحَرامَ ثَلاثةَ أيَّامٍ.
قال جابر: «وكُنَّا ألْفًا وأربَعَ مِئةٍ، ولو كُنتُ أُبصِرُ اليومَ مَكانَ الشَّجَرةِ» الَّتي وقَعَتْ بَيْعةُ الرِّضْوانِ تَحتَها؛ لأنَّه رَضيَ اللهُ عنه قدْ عَميَ في آخِرِ عُمرِه، وهذا يدُلُّ على أنَّهُ كان يَعرِفُها، ويَضبِطُ مكانَها بعَيْنِه، والظَّاهِرُ أنَّها حينَ مَقالتِه تلك كانت هلَكَتْ؛ إمَّا بجَفافٍ أو بغَيرِه، واستمَرَّ يَعرِفُ مَوضِعَها بعَيْنِه.