باب غزوة الحديبية، وقول الله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} 6
بطاقات دعوية
عن العلاء بن المسيب عن أبيه قال: لقيت البراء بن عازب - رضى الله عنهما - فقلت له: طوبى لك؛ صحبت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبايعته تحت الشجرة. فقال: يا ابن أخى! إنك لا تدرى ما أحدثنا بعده!
كان الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم يُحاسِبونَ أنفُسَهم، ويَتَّهِمونَها بالتَّقْصيرِ، ويُشفِقونَ مِن حِسابِ اللهِ يومَ القيامةِ، فكانوا يرَوْنَ ذُنوبَهم كالجِبالِ تُوشِكُ أنْ تَقْضيَ عليهم؛ وذلك حالُ المؤمنِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابِعيُّ المُسَيِّبُ بنُ رافعٍ أنَّه لَقيَ البَراءَ بنَ عازِبٍ رَضيَ اللهُ عنهما، فقال له: «طُوبَى لكَ»، وطُوبَى في الأصْلِ: شَجَرةٌ في الجنَّةِ، وتُطلَقُ ويُرادُ بها الخَيرُ، أوِ الجنَّةُ، أو أقْصى الأُمْنيَّةِ، وقيلَ: هي منَ الطِّيبِ، أي: طابَ عَيشُكَ فهَنيئًا لكَ، «صحِبْتَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وبايَعْتَه تحتَ الشَّجَرةِ»، يُشيرُ إلى بَيْعةِ الرِّضْوانِ، والَّتي بايَعَ فيها الصَّحابةُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الحُدَيْبيَةِ في العامِ السَّادِسِ منَ الهِجْرةِ على المَوتِ، لمَّا منَعَتْهم قُرَيشٌ من دُخولِ مكَّةَ، وأُشيعَ أنَّها قتَلَتْ عُثْمانَ بنَ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه، وقد مدَحَهمُ اللهُ، وأثْنى عليهم، فقال اللهُ تعالَى فيهم: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18].
وعلى الرَّغمِ مِن هذه المَنزِلةِ العَظيمةِ مِن صُحْبةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ومُبايَعَتِه إيَّاه تحتَ الشَّجَرةِ، ودُخولِه في ثَناءِ اللهِ تعالَى على أصْحابِ الشَّجَرةِ؛ إلَّا أنَّ البَراءَ رَضيَ اللهُ عنه هضَم نفْسَه، بأنْ قال له: «يا ابنَ أخي»، وهي على عادةِ العَرَبِ في المُخاطَبةِ، أو أرادَ أُخوَّةَ الإسْلامِ، «إنَّكَ لا تَدْري ما أحْدَثْنا بعْدَه»، أي: لا تَعلَمُ الَّذي فَعَلْنا بعْدَ كلِّ هذا الفَضلِ، وهذا مِن تَواضُعِه، واتِّهامِه لنَفْسِه، ومُحاسَبَتِه لها رَضيَ اللهُ عنه، وإمَّا أنَّه رَضيَ اللهُ عنه يُشيرُ إلى ما وقَعَ بيْنَهم مِن الفِتَنِ.
وفي الحَديثِ: فَضيلةُ الصَّحابيِّ البَراءِ بنِ عازِبٍ رَضيَ اللهُ عنه.
وفيه: هَضمُ النَّفْسِ، والتَّواضُعُ خَشْيةَ الغُرورِ والعُجبِ بالعَملِ.