باب غزوة بني المصطلق من خزاعة: وهي غزوة المريسيع
بطاقات دعوية
عن ابن محيريز أنه قال: دخلت المسجد فرأيت أبا سعيد الخدرى, فجلست إليه، فسألته عن العزل؟ قال: أبو سعيد: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى غزوة بنى المصطلق، فأصبنا سبيا من سبى العرب، فاشتهينا النساء , واشتدت علينا العزبة، وأحببنا العزل، فأردنا أن نعزل (وفى راوية: فأرادوا أن يستمتعوا بهن ولا يحملن 8/ 172) , وقلنا: نعزل ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا قبل أن نسأله؟! فسألناه عن ذلك؟ (وفي رواية: جاء رجل من الأنصار , فقال: يا رسول الله! إنا نصيب سبيا، ونحب المال؛ كيف ترى فى العزل؟ 7/ 211) فقال:
«ما عليكم أن لا تفعلوا (وفى أخرى: أو إنكم لتفعلون [ذلك]؟ -قالها ثلاثا- 6/ 154) , [فإنه] ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهى كائنة (ومن طريق أخرى عنه: ليس نفس مخلوقة إلا الله خالقها) ".
مَقاديرُ الخَلائقِ كُلُّها بيَدِ اللهِ وَحْدَه؛ فهو علَّامُ الغُيوبِ، وعلى المُسلِمِ أنْ يَتوَكَّلَ على اللهِ، ويَأخُذَ بالأسْبابِ، ثمَّ يُفوِّضَ أمْرَه إلى اللهِ تعالَى.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابِعيُّ عبدُ اللهِ بنُ مُحَيْريزٍ، أنَّه سَأَلَ الصَّحابيَّ أبا سَعيدٍ الخُدْريَّ رَضيَ اللهُ عنه عن حُكمِ العَزلِ، والعَزلُ يكونُ بنَزْعِ الذَّكَرِ مِن فَرْجِ المَرْأةِ قبْلَ الإنْزالِ، ويُنزِلُ الرَّجلُ خارِجَ الفَرْجِ؛ مَنعًا لحُدوثِ الحَمْلِ، فأخْبَرَه أبو سَعيدٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم خَرَجوا معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزْوةِ بَني المُصْطَلِقِ، وهمْ فَرعٌ مِن قَبيلةِ خُزاعةَ، وكان هذا سَنةَ خَمسٍ أو سِتٍّ مِن الهِجْرةِ، وتُسمَّى أيضًا المُرَيْسيعَ، وحدَث في هذه الغَزْوةِ أنْ أصابوا سَبْيًا، والسَّبْيُ: هو النِّساءُ الَّتي تُؤخَذُ مِن الكُفَّارِ بعْدَ قِتالِهم، فاشْتَهَوُا النِّساءَ، واشتَدَّتْ عليهمُ العُزْبةُ -أي: فَقْدُ الأزواجِ والنِّكاحِ-، وأحَبُّوا العَزْلَ، يَعني: أرادوا جِماعَ النِّساءِ اللَّاتي سَبَوْهنَّ بعْدَ أنْ صِرْنَ لهم، ولكنَّهم أحَبُّوا العَزْلَ حتَّى لا تَحمِلَ هذه السَّبايا، فقالوا: «نَعزِلُ ورَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْن أظْهُرِنا قبْلَ أنْ نَسأَلَه» عن الحكْمِ؟! لأنَّه وَقَعَ في نُفوسِهم أنَّه مِن الوأْدِ الخَفيِّ كالفِرارِ مِن القَدَرِ، فلمَّا سَأَلوه قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «ما عليكم ألَّا تَفْعَلوا»، أي: لا بأْسَ عليكم إنْ عَزَلْتُم؛ إذ إنَّه لنْ يُغيِّرَ مِن قَدَرِ اللهِ شَيئًا؛ فـ«ما مِن نَسَمةٍ كائنةٍ إلى يَومِ القيامةِ إلَّا وهي كائِنةٌ»، يَعني: ما مِن نفْسٍ كائنةٍ في عِلمِ اللهِ تعالَى إلَّا وهي كائنةٌ في الواقعِ، سَواءٌ حدَثَ العَزْلُ أو لم يَحدُثْ؛ لأنَّه قدْ يَكونُ معَ العَزْلِ إنزالٌ بقَليلِ الماءِ الَّذي قدَّرَ اللهُ أنْ يكونَ منه الولَدُ، وقدْ يوجَدُ الإنزالُ ولا يكونُ ولَدٌ؛ فالعَزْلُ أوِ الإنزالُ مُتَساوِيانِ في ألَّا يَكونَ منه ولَدٌ إلَّا بتَقْديرِ اللهِ تعالَى.
وفي الحَديثِ: مَشْروعيَّةُ العَزلِ.
وفيه: حِرصُ الصَّحابةِ على تَعلُّمِ أُمورِ دِينِهم مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: مَشْروعيَّةُ اسْتِرْقاقِ المُحارِبينَ مِن العرَبِ وتَملُّكِهم كسائرِ فِرَقِ العَجَمِ.