باب فرض الحج مرة في العمر
بطاقات دعوية
حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: دعوني ما تركتكم، إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم
لهذا الحديث سبب ذكره أبو هريرة رضي الله عنه في رواية أخرى؛ حيث قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أيها الناس، إن الله فرض عليكم الحج فحجوا)، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو قلت: نعم، لوجبت، ولما استطعتم)، ثم قال: (ذروني ما تركتكم)، وفي هذه الرواية قال: (دعوني ما تركتكم)، والمراد: لا تكثروا الاستفصال في المواضع التي تفيد وجها ظاهرا، وإن صلحت لغيره؛ كما في قوله: (فحجوا)، فإنه وإن أمكن أن يراد به التكرار، ينبغي أن يكتفى منه بما يصدق عليه اللفظ، وهو المرة الواحدة، فإنها مفهومة من اللفظ قطعا، وما زاد مشكوك فيه، فيعرض عنه، ولا يكثر السؤال؛ لئلا يقع الجواب بما فيه التعب والمشقة، (إنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم)، أي: فإنما هلكت الأمم السابقة بسبب كثرة أسئلتهم لغير حاجة وضرورة، كقول اليهود لموسى عليه السلام: {ادع لنا ربك يبين لنا ما هي} [البقرة: 68] لما أمروا بذبح بقرة، ولو أنهم عمدوا إلى أي بقرة فذبحوها لأجزأتهم، ولكنهم شددوا على أنفسهم بكثرة السؤال عن حالها، وصفتها، فشدد الله تعالى عليهم، (واختلافهم على أنبيائهم)، أي: أنهم هلكوا بسبب كثرة سؤالهم، وكثرة مخالفتهم، وعصيانهم لأنبيائهم، (فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)، أي: فإذا منعتكم عن شيء فلا تفعلوه، وابتعدوا عنه كله؛ إذ الامتثال لا يحصل إلا بترك الجميع، (وإذا أمرتكم بأمر)، أي: وإذا طلبت منكم فعل شيء؛ (فأتوا منه ما استطعتم)، أي: فافعلوا منه ما قدرتم عليه على قدر طاقتكم واستطاعتكم؛ وجوبا في الواجب، وندبا في المندوب
وفي هذا الحديث: النهي عن الاختلاف وكثرة الأسئلة من غير ضرورة؛ لأنه توعد عليه بالهلاك، والوعيد على الشيء دليل على كونه كبيرة، والاختلاف المذموم ما يؤدي إلى كفر أو بدعة
وفيه: الأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، والتمسك بسنته، والعمل بأقواله وأفعاله وتقريراته، والوقوف عندها أمرا ونهيا
وفيه: دليل على أن السنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي
وفيه: دليل على أن لا حكم قبل ورود الشرع، وأن الأصل في الأشياء عدم الوجوب
وفيه: قوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) هذا من قواعد الإسلام المهمة، ومن جوامع الكلم التي أعطيها صلى الله عليه وسلم، ويدخل فيها ما لا يحصى من الأحكام، وهذا الحديث موافق لقول الله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16]