باب فى الصرف
كان الصحابة رضي الله عنهم ينصح بعضهم بعضا في كل الأحوال، ويبلغون الأوامر والنواهي الشرعية دون محاباة، أو خوف من أمير أو خليفة، وكان الجميع يمتثلون للحق
وفي هذا الحديث يخبر التابعي أبو الأشعث شراحيل بن آدة أنهم غزوا غزوة، وكان أميرهم فيها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، فغنم المسلمون فيها غنائم كثيرة، والغنيمة: هي كل ما أخذه المسلمون من أموال الكفار على وجه الغلبة والقهر، وكان في الغنائم آنية من فضة، فأمر معاوية رضي الله عنه رجلا أن يبيعها بالدراهم نسيئة في أعطيات الناس، جمع أعطية، والمراد هنا ما يعطاه الجند من المال المرتب لهم من الدولة شهريا، أو سنويا، والمعنى: أنه أمر أن تباع آنية الفضة بالدراهم نسيئة إلى أن يخرج عطاء المشتري، فتسارع الناس من الجيش في شراء تلك الآنية بدراهم مؤجلة إلى أن يأتي وقت أخذ أجورهم، فعرف بذلك عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وكان حاضرا في الجيش، فقام خطيبا فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر -وهو القمح- بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، إلا سواء بسواء، عينا بعين، أي: نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع هذه الأصناف بعضها ببعض في كل حال من الأحوال إلا حالة كونها سواء مقابلا بسواء، فهما متساويان في الوزن، مشاهدة وحاضرة غير غائبة، كما في الصحيحين: «لا تبيعوا منها غائبا بناجز».
فمن بذل الزيادة، ومن سألها، فكل واحد منهما قد أوقع نفسه في الربا المحرم، وهما سواء في الإثم.
فلما سمع الناس ذلك ردوا ما أخذوا من الأواني على الرجل الذي باعها لهم، فبلغ ذلك الحديث الذي حدث به عبادة معاوية رضي الله عنهما، فقام معاوية خطيبا، فقال في خطبته: «ألا ما بال رجال» يعرض بكلامه هذا ما قاله عبادة رضي الله عنه، «يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث، وقد كنا نشهده»، أي: نحضر عنده، ونصحبه في سفره، فلم نسمعها منه، وظاهر هذا أن معاوية رضي الله عنه لم يسمع هذا الحديث ولا علمه، كما لم يعلمه غيره في البداية، وعدم سماعه رضي الله عنه ليس بحجة، فقام عبادة بن الصامت رضي الله عنه حينما أنكر عليه معاوية رضي الله عنه، فأعاد الحديث مرة أخرى، وقال: «لنحدثن»، أي: لنخبرن الناس «بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كره معاوية» بن أبي سفيان أمير الجيش، أو قال: «وإن رغم»، أي: ذل وصار كاللاصق بالرغام، وهو التراب، ثم قال: «ما أبالي ألا أصحبه»، أي: لا أكترث بعدم صحبته ولا أريد الدوام في جنده، وأريد مفارقته في ليلة سوداء، أي: مظلمة غير مستنيرة بالقمر
وفي الحديث: الاهتمام بتبليغ السنن ونشر العلم، وإن كرهه من كرهه
وفيه: النهي عن الربا
وفيه: القول بالحق وإن كان المقول له كبيرا