باب فى وقت الإحرام
حدثنا القعنبى عن مالك عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله عن أبيه أنه قال بيداؤكم هذه التى تكذبون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها ما أهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا من عند المسجد يعنى مسجد ذى الحليفة.
أخذ الصحابة رضي الله عنهم مناسك الحج من النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، كما أمرهم بذلك، وبلغوا من بعدهم
وفي هذا الحديث يخبر سالم بن عبد الله بن عمر أن أباه عبد الله رضي الله عنه كان إذا قيل له: إن رفع الصوت بالتلبية في الحج أو العمرة يبدأ من البيداء، ينكر ذلك ويقول: «البيداء التي تكذبون فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم!»، أي: تزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدأ إهلاله في حجته حين أطل على البيداء، وقد أخطأتم في هذا، ونسبهم إلى الكذب؛ لأنهم أخبروا بالشيء على خلاف ما هو، وليس المقصود الكذب المتعمد، والعرب تقول لمن أخطأ: كذبت، والبيداء: مكان بالقرب من ذي الحليفة من جهة مكة، وسميت بيداء؛ لعدم وجود معالم فيها من أبنية ونحوها، والمقصود هنا المكان المشرف المرتفع الذي قدام ذي الحليفة إلى جهة مكة
ثم بين لهم ابن عمر رضي الله عنهما الصواب؛ وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رفع صوته بالتلبية، «إلا من عند الشجرة» التي عند مسجد ذي الحليفة، وهي قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة (10 كم تقريبا)، وهي ميقات أهل المدينة، ومن مر بها من غير أهلها، وكان ذلك عند الخروج لحجة الوداع، فرفع صوته بالتلبية حين ركب راحلته وهو يقوم ببعيره ليرحل به بعد أن أحرم من تلك البقعة
ولعل سبب اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في المواضع التي أهل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن كلا منهم أخبر بما رأى؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة حاجا، فلما صلى في مسجد ذي الحليفة أهل بالحج، فسمع ذلك منه أقوام فحفظوا عنه، ثم ركب، فلما استقلت به ناقته أهل، وأدرك ذلك منه أقوام؛ لأنهم كانوا يأتون جماعات، فسمعوه فقالوا: إنما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استقلت به ناقته، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما علا على شرف البيداء أهل، وأدرك ذلك منه أقوام، فقالوا: إنما أهل حين علا على شرف البيداء، فنقل كل منهم ما سمع، وظهر بذلك أن الخلاف وقع في ابتداء الإهلال والإحرام من الميقات. ويزيل هذا الإشكال ما رواه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «وايم الله، لقد أوجب في مصلاه، وأهل حين استقلت به ناقته، وأهل حين علا على شرف البيداء»