باب في الايمان 5
سنن ابن ماجه
حدثنا علي بن محمد، حدثنا وكيع، حدثنا حماد بن نجيح -وكان ثقة- عن أبي عمران الجوني
عن جندب بن عبد الله، قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن فتيان حزاورة، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن، فازددنا به إيمانا (1).
كان الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهم يَتعلَّمونَ تعاليمَ الدِّينِ تدريجيًّا، وكان هَمُّهم تطبيقَ ما تعلَّموه أوَّلًا بأوَّل، ثمَّ ينتقِلونَ إلى أمْرِ آخرَ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ معهم يُلاحِظُهم ويَهْديهم بالرِّفقِ واللِّينِ، ويأمُرُهم بعدَمِ التَّشدُّدِ، فكانوا أئمةَ هدًى.
وفي هذا الحديثِ يَقولُ جُنُدبُ بنُ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنه: "كُنَّا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ونحن فِتيانٌ حَزَاوِرَةٌ" جمْعُ حَزْوَرٍ، والحَزْورُ: الغلامُ إذا اشتَدَّ وقوِيَ وخدَمَ، وقاربَ البُلوغَ، "فتعلَّمْنا الإيمانَ قبْلَ القُرآنِ"، أي: أنَّهم تعلَّموا أساسياتِ العقيدةِ الصَّحيحةِ، وهي أركانُ الإيمانِ الحقِّ؛ وهي: الإيمانُ باللهِ، وملائكتِه، وكُتبِه، ورُسلِه، واليومِ الآخِرِ، والإيمانِ بالقَدَرِ خَيرِه وشرِّه، وتَعلَّموه وهم صِغارٌ، "ثمَّ تعلَّمْنا القُرآنَ فازْدَدْنا به إيمانًا"، والمعنى: أنَّهم لمَّا تَلُوا وقرَؤوا كِتابَ اللهِ وتدارَسُوه فيما بينهم، ازدادَ إيمانُهم، وقوِيَت عقيدتُهم، وهذا معنى قولِه عزَّ وجلَّ: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2].
وفي رِوايةٍ: "وإنَّكم اليومَ تَعلَّمونَ القُرآنَ قبلَ الإيمانِ".
وأورَدَ الحاكمُ مِن رِوايةِ عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ خبرًا يُوضِّحُ هذه المعاني، فيقولُ: "لقد عِشْنا بُرهةً مِن دَهْرِنا، وإنَّ أحدَنا يُؤْتَى الإيمانَ قبلَ القُرآنِ، وتنزِلُ السُّورةُ على محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيتَعلَّمُ حلالَها وحَرامَها، وما ينْبَغي أنْ يُوقَفَ عندَه فيها كما تَعلَّمونَ أنتم القُرآنَ"، ثمَّ قال: "لقد رأيْتُ رِجالًا يُؤْتَى أحدُهم القُرآنَ، فيقرَأُ ما بين فاتحتِه إلى خاتمتِه ما يَدري ما أمْرُه ولا زاجِرُه، ولا ما ينْبَغي أنْ يُوقَفَ عنده منه، ينثُرُه نثْرَ الدَّقَلِ"، وهو الرَّديءُ مِن التَّمرِ وما لا فائدةَ فيه.
وفي الحديثِ: ترتيبُ الأولويَّاتِ عندَ تربيةِ النَّشءِ، والحِرصُ على مَلْئِهم بالإيمانِ قبلَ مَلْئِهم بالحفْظِ المُجرَّدِ( )