باب في كراهية البزاق في المسجد
حدثنا سليمان بن داود، حدثنا حماد، حدثنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوما إذ رأى نخامة في قبلة المسجد فتغيظ على الناس، ثم حكها، قال: وأحسبه قال: فدعا بزعفران فلطخه به، وقال: «إن الله قبل وجه أحدكم إذا صلى، فلا يبزق بين يديه»، قال أبو داود: رواه إسماعيل، وعبد الوارث، عن أيوب، عن نافع، ومالك، وعبيد الله، وموسى بن عقبة، عن نافع، نحو حماد، إلا أنه لم يذكروا الزعفران، ورواه معمر، عن أيوب، وأثبت الزعفران فيه، وذكر يحيى بن سليم، عن عبيد الله، عن نافع الخلوق
ينبغي للمسلم تعظيم المساجد وتنزيهها عن الأقذار والنجاسات، وعما لا يليق
وفي هذا الحديث يروي أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد، والنخامة هي ما يبصق من الفم أو الأنف من لعاب وبلغم ونحو ذلك، فتضايق النبي صلى الله عليه وسلم لذلك وغضب حتى شوهد أثر الغضب في وجهه، «فقام فحكه بيده» فأزاله ونظفه، ثم قال: «إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه» من المناجاة، وأصلها الكلام بين اثنين سرا، والمراد: أنه ينبغي التزام الأدب في هذه الحال؛ لأن المصلي يناجي الله عز وجل، ثم نهى عن أن يبصق أحد من المسلمين جهة «قبلته»؛ لأنه استخفاف عادة، فلا يليق بتعظيم الجهة، ولكن إذا اضطر للبصق وهو في المسجد فليبصق عن يساره؛ لأنها جهة لمثل هذه القاذورات، أو تحت قدميه؛ ليواريها بقدمه في تراب الأرض. ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم طرف ردائه، فبصق فيه، ثم رد بعضه على بعض، فقال: أو يفعل هكذا، وهذا فيه البيان بالفعل؛ ليكون أوقع في نفس السامع، وأيضا هو إيضاح لمن عجزت به الأسباب أن يواري نخامته. والبصاق في المسجد خطيئة؛ لأن فيه إهانة لبيوت الله عز وجل التي أمر الله تعالى أن ترفع ويذكر فيها اسمه، ولأنه أيضا إيذاء للمصلين؛ فقد يسجد المصلي عليه وهو لا يشعر به، وقد يتقزز إذا رآه وتتكره نفسه
وفي هذا الحديث: الإشارة إلى حقيقة مقام الإحسان، باستحضار العبد قرب الله تعالى منه، ومشاهدة الله إياه، واطلاعه عليه
وفيه: إكرام القبلة وتنزيهها، وفضل الميمنة على الميسرة.وفيه: طهارة البزاق