باب: قتل كعب بن الأشرف
بطاقات دعوية
عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله فقال محمد بن مسلمة - رضي الله عنه - يا رسول الله أتحب أن أقتله قال نعم قال ائذن لي فلأقل قال قل فأتاه فقال له وذكر ما بينهما وقال إن هذا الرجل قد أراد صدقة وقد عنانا (7) فلما سمعه قال وأيضا والله لتملنه قال إنا قد اتبعناه الآن ونكره أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره قال وقد أردت أن تسلفني سلفا قال فما ترهنني قال ما تريد قال ترهنني نساءكم قال أنت أجمل العرب أنرهنك نساءنا قال ترهنوني أولادكم قال يسب ابن أحدنا فيقال رهن في وسقين من تمر ولكن نرهنك اللأمة يعني السلاح قال فنعم وواعده أن يأتيه بالحارث وأبي عبس بن جبر وعباد بن بشر قال فجاءوا فدعوه ليلا فنزل إليهم قال سفيان قال غير عمرو قالت له امرأته إني لأسمع صوتا كأنه صوت دم قال إنما هذا محمد بن مسلمة ورضيعه وأبو نائلة (1) إن الكريم لو دعي إلى طعنة ليلا لأجاب قال محمد إني إذا جاء فسوف أمد يدي إلى رأسه فإذا استمكنت منه فدونكم قال فلما نزل نزل وهو متوشح فقالوا نجد منك ريح الطيب قال نعم تحتي فلانة هي أعطر نساء العرب قال فتأذن لي أن أشم منه قال نعم فشم فتناول فشم ثم قال أتأذن لي أن أعود قال فاستمكن من رأسه ثم قال دونكم قال فقتلوه. (م 5/ 184 - 185)
غَزْوةُ بَدرٍ هي أوَّلُ مَعرَكةٍ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهي الفاصِلةُ بينَ الإيمانِ والكُفرِ، وسَمَّاها اللهُ تعالى يومَ الفُرْقانِ، وكانت في رَمضانَ مِن السَّنةِ الثَّانيةِ مِن الهِجْرةِ، وفي هذه الغَزْوةِ نصَر اللهُ رَسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والصَّحابةَ على أعْداءِ اللهِ منَ كفَّارِ قُرَيشٍ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أنَسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال يومَ بَدرٍ: «مَن يَنظُرُ ما صنَع أبو جَهلٍ»، أي: فيَأْتِيَنا بأخْبارِه وما فعَل اللهُ به، ويَتأكَّدَ من مَوتِه؛ ليَستَبشِرَ المُسلِمونَ بذلك، ويَنكَفَّ شَرُّه عنهم، فبادَرَ إليه عبدُ الله بنُ مَسْعودٍ رَضيَ اللهُ عنه، فوجَدَه جَريحًا مُثخَنًا بجِراحِه، ولكنَّه لم يمُتْ بعْدُ، وقدْ ضرَبَه ابْنَا عَفْراءَ: مُعاذٌ ومُعَوِّذٌ رَضيَ اللهُ عنهما، حتَّى برَدَ، أي: حتَّى أصبَحَ في الرَّمَقِ الأخيرِ مِن حَياتِه، لم يَبقَ به إلَّا مِثلُ حرَكةِ المَذْبوحِ، فقال له ابنُ مَسْعودٍ رَضيَ اللهُ عنه: «آنتَ أبا جَهلٍ؟!»، أي: أنت المقتولُ يا أبا جهْلٍ! ناداهُ مُقرِّعًا له، ومُتَشفِّيًا فيه؛ لأنَّه كان يُؤْذيه بمكَّةَ أشدَّ الأذى، فردَّ عليه أبو جَهلٍ فقال: وهلْ فوقَ رَجلٍ قَتَلْتُموه -أو قتَلَه قَوْمُه-، أي: لا عارَ عَليَّ في قَتلِكم إيَّايَ؛ فكمْ منَ الأبْطالِ قدْ قتَلَهم أقْوامُهم! ثمَّ قال: «فلو غَيرُ أكَّارٍ قَتلَني»، والأكَّارُ: الزَّرَّاعُ والفلَّاحُ، يُشِيرُ أبو جَهلٍ بذلك إلى ابْنَيْ عَفْراءَ رَضيَ اللهُ عنهما اللَّذَينِ قَتَلاه، وهُما مِن الأنْصارِ، وهم أصْحابُ زَرْعٍ ونَخيلٍ، ومَعْناه: لو كان الَّذي قَتَلَني غيرَ أكَّارٍ؛ لكان أحبَّ إليَّ، وأعظَمَ لشَأْني، ولم يكُنْ عَليَّ نَقصٌ في ذلك.
ولا يُنافي قولُه: «فلو غَيرُ أكَّارٍ قَتَلَني» قولَه قبْلُ: «وهلْ فوقَ رَجلٍ قتَلَه قَوْمُه»؛ لأنَّه أراد مِن القولِ الثَّاني انتقاصَ المباشِرِ لقتْلِه، وأرادَ في الأوَّلِ تَسليةَ نفْسِه بأنَّ الشَّريفَ إذا قَتَلَه قومُه، لم يكُنْ ذلك عارًا عليه، فجَعَلَ قومَه قاتِلِين له باعتبارِ تَسبُّبِهم في قتْلِه وسَعْيِهم فيه وإنْ لم يُباشِرُوه، فمَحلُّ الانتقاصِ غيرُ مَحلِّ التَّعظيمِ، فلا تَناقُضَ.
وفي الحَديثِ: فَضيلةُ الصَّحابِيَّينِ مُعاذٍ ومُعَوِّذٍ ابْنَيْ عَفْراءَ رَضيَ اللهُ عنهما؛ لشُهودِهما بَدرًا، وقَتلِهما عَدوَّ اللهِ ورَسولِه أبا جَهلٍ.