باب إذا رحم الله أمة قبض نبيها قبلها
بطاقات دعوية
عن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إن الله عز وجل إذا أراد رحمة أمة من عباده قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطا وسلفا بين يديها وإذا أراد هلكة أمة عذبها ونبيها حي فأهلكها وهو ينظر فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه وعصوا أمره. (م 7/ 65
اللهُ سُبحانَه وتَعالَى حَكيمٌ عَليمٌ، وقدْ أرسَلَ الرُّسلَ والأنبياءَ لهِدايةِ النَّاسِ، ولكنَّ منهم مَن آمَنَ ومنْهم مَن كَفَر، كما أخبَرَنا بذلك القرآنُ الكريمُ، وكان عاقبةُ الَّذين آمَنوا باللهِ ورُسلِه خَيرًا عندَ اللهِ، أمَّا الَّذين كَفَروا فكانت عاقبتُهم سُوءًا في الدُّنيا والآخرةِ.
وفي هذا الحديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ إذا أَرادَ رَحمةَ أُمَّةٍ مِن عِبادِه الَّذين أجابوا دَعوةَ نَبيِّهم وصَدَّقوه، فأراد بَقاءَها وحَياتَها بعْدَ نَبيِّها، قَبَضَ وأَماتَ نَبيَّها الَّذي أرسَلَه لها قبْلَها وقبْلَ إهلاكِها، فجَعَلَه اللهُ لها «فَرطًا وسَلَفًا بين يَديها»، أي: سابقًا ومُقدَّمًا وشَفيعًا، حينَ ماتَ راضيًا عنها.
وأخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه إِذا أَرادَ اللهُ عزَّ وجلَّ «هَلَكَةَ أُمَّةٍ» ودَمارَها، عَذَّبَها بنَوعٍ مِن عُقوباتِه في الدُّنيا ونَبيُّها حيٌّ مُقيمٌ بيْن أَظهُرِهم، فأَهلَكَها وهو يَنظُرُ إليها وإلى العذابِ النَّازلِ بها، أَو إلى قُدرةِ خالقِها لتَكذيبِهم رِسالتَه ودَعْوتَه، كَما وَقعَ لنُوحٍ معَ قومِه حِين أغرَقَهم اللهُ بالطُّوفانِ، وغَيرِه منَ الأَنبياءِ؛ فأَقرَّ اللهُ عَيْنَهُ، أي: أدخَلَ على نَبيِّه ما يَشفي غَيظَه بِسَببِ هَلاكِها وأراحَه مِن فَسادِهم وشِركِهم، حينَ كذَّبوه وخالَفوا ما أَمرَهم بِه.
وفي الحديثِ: تَبشيرُ اللهِ سُبحانَه وتَعالَى للأُممِ الَّتي يَموتُ نبيُّها قبْلَها بشَفاعتِه لأُمَّتهِ ووَساطتِه لَهم عندَ رَبِّهم.
وفيه: إشارةٌ إلى رَحمةِ الله تعالَى بهذه الأمَّةِ وتَبشيرِها وفَضلِها؛ حيثُ كان قَبْضُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَحمةً لهم، كما كان بَعْثُه كذلك.