باب قدر حصى الرمي
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا علي بن مسهر، عن يزيد بن أبي زياد، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص
عن أمه قالت: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر عند جمرة العقبة، وهو راكب على بغلة، فقال: "يا أيها الناس، إذا رميتم الجمرة، فارموا بمثل حصى الخذف" (2)
بَيَّن النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لصحابتِه مَناسِكَ الحَجِّ كلَّها، وكان يَقِفُ عند كُلِّ نُسُكٍ فيُعلِّمُ النَّاسَ، ويُوَضِّحُ لهم، ويُفَهِّمُهم، ويُجيبُ عن أَسئِلتِهم.
وفي هذا الحديثِ: أنَّ الصَّحابِيَّةَ الجَليلةَ أُمَّ جُنْدُبٍ الأَزْدِيَّةَ رضِي اللهُ عنها، قالتْ: رأيتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم "يَرْمِي الجَمْرَةَ"، أي: وهو يُؤدِّي مَناسِكَ الحَجِّ وهي جَمْرَةُ العَقَبَةِ، "من بَطْنِ الوادي"، أي: من وَسَطِ الوادي، "وهو راكِبٌ"، أي: يَرْمِي الجَمْرَةَ وهو راكِبٌ على ناقَتِهِ، "يُكَبِّرُ مع كُلِّ حَصَاةٍ"، أي: يقولُ: الله أكبر عند رَمْيِ كُلِّ حَصاةٍ، "ورَجُلٌ من خَلْفِهِ يَسْتُرُهُ"، أي: ورَجُلٌ معه يَحْمِيه ويَحُوطُ عليه، "فَسألتُ عن الرَّجُلِ"، أي: فَسألتْ أُمُّ جُنْدُبٍ عن الرَّجُلِ الَّذي مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يَحْمِيه ويَسْتُره مَنْ هو؟ "فقالوا"، أي: الصَّحابةُ: "الفَضْلُ بن العَبَّاسِ"، أي: هو الفَضْلُ، وكان مُلازِمًا للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الحَجِّ، "وازْدَحَمَ النَّاسُ"، أي: وكَثُرَ عددُ النَّاسِ الحُجَّاجِ وتَقارَبوا من بعضهم، فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "يا أَيُّها النَّاسُ، لا يَقْتُلُ بعضُكم بعضًا"، أي: لا تَتَزاحَموا، ولا تَتَدَافَعوا فَيَقْتُل بعضُكم بعضًا، "وإذا رَمَيْتُم الجَمْرَةَ فارْمُوا بِمِثْلِ حَصَى الخَذَفِ"، أي: وإذا أَردتُم أنْ تَرموا الجِمارَ فارْمُوا بالحَصَى الصَّغيرِ؛ لكي لا يُؤذِي بعضُكم بعضًا، وحَصَى الخَذَفِ يكون صغيرًا، وحَجمُه بين الحِمَّصِ والبُندقِ.
وفي الحديثِ: الحَثُّ على الإكثارِ من التَّكبيرِ وذِكْرِ اللهِ أثناءِ تَأدِيَةِ المَناسِكِ.
وفيه: فضيلةٌ للفضلِ بنِ العَبَّاسِ رضِي اللهُ عنهما، وحِمايتُه للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفيه: الحثُّ على الرِّفقِ وعدَمِ التَّزاحُمِ والتدافُعِ في المناسكِ ومواطِنِ الزِّحامِ.