باب قول الله تعالى: {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا}
بطاقات دعوية
عن أبي هريرة رضي الله عنه سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"ما من بني آدم مولود [يولد 5/ 166] إلا يمسه الشيطان [في جنبيه بإصبعه 4/ 94] حين يولد، فيستهل صارخا من مس الشيطان [إياه]؛ غير مريم وابنها [عيسى، ذهب يطعن، فطعن في الحجاب] ".
ثم يقول أبو هريرة: [واقرؤوا إن شئتم:] {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم}.
تَعهَّدَ الشَّيطانُ بالعداءِ الدَّائمِ والمستمرِّ لبَني آدَمَ، بشَتَّى الوسائلِ والطُّرقِ، ولا يَأْلُو جُهْدًا في تَنفيذِ ما تَعهَّدَ به؛ مِن أجْلِ غَوايةِ الإنسانِ وإضلالِهِ حتَّى يُورِدَه النَّارَ، عِياذًا باللهِ.
وفي هذا الحديثِ يَذكُرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَظهَرًا مِن مَظاهرِ عَداءِ الشَّيطانِ لابنِ آدَمَ وحِرصَه على ذلك، حيث أخْبَرَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ كُلَّ مَولودٍ مِن بَني آدَمَ، يَمَسُّه الشَّيطانُ بيَدِه مِن غيرِ حاجزٍ، وفي رِوايةٍ في البُخاريِّ: «يَطْعُنُ الشَّيطانُ في جَنْبَيْه بإِصْبَعِه حينَ يُولَدُ»، فيَصرُخُ عندَ وِلادتِه مِن أَثَرِ هذا المسِّ، باستثناءِ مَريمَ وابنِها عِيسى عليه السَّلامُ؛ فإنَّ اللهَ عَصَمَهما مِن مَسِّ الشَّيطانِ وطَعْنِه. وفي روايةٍ أُخرى للبُخاريِّ: «غيرَ عِيسى ابنِ مَريمَ، ذهَبَ يَطعُنُ، فطَعَنَ في الحِجابِ»، والمقصودُ بالحِجابِ: الجِلدةُ التي فيها الجَنينُ، وتُسمَّى المَشيمةُ. وقيل: هو الثَّوبُ الَّذي يُلَفُّ فيه المولودُ. وذلك ببَرَكةِ دُعاءِ أُمِّ مَريمَ، كما في قَولِه تعالَى: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 36].
ولا يُعارَضُ تَفسيرُ بُكاءِ الطِّفلِ بمَسِّ الشَّيطانِ أو طَعْنِه، بما يُذكَرُ مِن بَعضِ الأسبابِ الطَّبيعيَّةِ، كتَأثُّرِ الوليدِ بدُخولِ الهواءِ إلى رِئَتِه، وغيرِ ذلك؛ فإنَّ البُكاءَ قدْ يكونُ له أكثَرُ مِن سَببٍ، وإذا كان الأمرُ كذلك فإنَّما يَهتَمُّ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ببَيانِ ما هو أهمُّ؛ لِما فيه مِن تَنبيهِ النَّاسِ على التَّحرُّزِ مِن الشَّيطانِ.
وهذا الخبَرُ مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمرٌ مِن أُمورِ الغيبِ، ولا مَدخَلَ للعقْلِ في إدراكِه أو الوقوفِ على كُنْههِ، وحَظُّ المؤمنِ فيه التَّصديقُ والتَّسليمُ.
وفي الحديثِ: فَضيلةٌ ظاهرةٌ لنَبيِّ اللهِ عِيسى عليه السَّلامُ وأُمِّه مَريمَ رَضيَ اللهُ عنها.
وفيه: فضْلُ الدُّعاءِ والحِرصُ عليه.
وفيه: بَيانُ عُمومِ تَسلُّطِ الشَّيطانِ على بَني آدَمَ بَرِّهم وفاجِرِهم، إلَّا أنَّ اللهَ تعالَى يَحفَظُ عِبادَه، كما وَعَدَ سُبحانَه وتعالَى بذلك.