باب قول الله تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} 3
بطاقات دعوية
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "تجدون [من 4/ 174] خير الناس في هذا الشأن (2) (وفي رواية: الأمر) أشدهم له كراهية [حتى يقع فيه] ".
يَختلِفُ النَّاسُ فيما بيْنهم في دَرَجاتِ الفَهمِ والفِقهِ، كما يَتَمايَزُ بَعضُهم على بَعضٍ في المَكانةِ وقوَّةِ التَّأثيرِ في الآخَرينَ، وكَثرةِ الأتْباعِ.
وفي هذا الحَديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أصْنافَ النَّاسِ، فيُخبِرُ أنَّ «النَّاسَ مَعادِنُ»، أي: أُصولٌ مُختلِفةٌ ما بيْن نَفيسٍ وخَسيسٍ، كما أنَّ المَعدِنَ كذلك، والمَعادنُ جَمعُ مَعدِنٍ؛ وهو الشَّيءُ المُستَقِرُّ في الأرضِ، وكلُّ مَعدِنٍ يَخرُجُ منه ما في أصْلِه، وكذا كُلُّ إنْسانٍ يَظهَرُ منه ما في أصْلِه مِن شَرفٍ أو خِسَّةٍ، وإذا كانتِ الأُصولُ شَريفةً؛ كانتِ الفُروعُ كذلك غالبًا، والفَضيلةُ في الإسْلامِ بالتَّقْوى، لكنْ إذا انضَمَّ إليها شرَفُ النَّسبِ؛ ازْدادَتْ فَضلًا؛ وعلى هذا فخِيارُ النَّاسِ وأشْرافُهم في حِقْبةِ ما قبْلَ الإسْلامِ، همْ خِيارُ النَّاسِ وأشْرافُهم في ظلِّ الإسْلامِ، إذا أسْلَموا وتَفقَّهوا أُصولَه وأحْكامَه؛ فإنَّ الأفضَلَ هو مَن جَمَع بيْن الشَّرفِ في الجاهليَّةِ والشَّرفِ في الإسْلامِ، ثمَّ أضافَ إلى ذلك التَّفقُّهَ في الدِّينِ.
وبيَّنَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ خَيرَ النَّاسِ في هذا الشَّأْنِ -أيِ: الإمارَةِ- أشَدُّهم لها كَراهيةً؛ خَوفًا مِن أنْ تَثقُلَ عليه الحُقوقُ والواجِباتُ، وإعْطاءُ حقِّ اللهِ، وحقِّ النَّاسِ فيها، وفي رِوايةٍ في الصَّحيحَينِ: «حتَّى يقَعَ فيه»، أي: فإذا ما وقَع أحدُهم في الحِرصِ عليها؛ زالَتْ عنه صِفةُ الخَيريَّةِ. وقيلَ: المَعْنى أنَّهم إذا ما تَولَّوْا أزالَ اللهُ عنهمُ الكَراهيَةَ للإمارةِ؛ حتَّى يَقدِرُوا أنْ يَقومُوا بواجِبِهم نَحْوَها. وقيلَ: الشَّأنُ هنا هو الإسْلامُ، والنَّاسُ همْ مَن كانوا أشَدَّ النَّاسِ كَراهيَةً له، كما كان مِن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وخالدِ بنِ الوَليدِ، وعَمرِو بنِ العاصِ، وعِكرِمةَ بنِ أبي جَهلٍ، وسُهَيلِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهم، وغَيرِهم ممَّن كان يَكرَهُ الإسْلامَ كَراهيَةً شَديدةً، فلمَّا دخَلَ فيه أخلَصَ وأحَبَّه، وجاهَدَ فيه حقَّ جِهادِه!
ثمَّ يَذكُرُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَموذجًا سيِّئًا مِنَ النَّاسِ ذا مَعدِنٍ خَسيسٍ، ويَصِفُه بأنَّه شرُّ النَّاسِ، وهو المُنافقُ المُتلوِّنُ ذو الوَجهَينِ، الَّذي يَأْتي كلَّ طائفةٍ مِن النَّاسِ بما يُرْضيها؛ فيَأْتي هؤلاء بوَجْهٍ يُرْضيهم، فيُظهِرُ لهم بالقَولِ والفِعلِ أنَّه منهم، ويَأْتي أعْداءَهم بوَجهٍ آخَرَ نَقيضِ ما كان معَ الطَّائفةِ الأُخْرى؛ كي يَسْتَرضِيَهم، ويَنالَ خَيرَهم. وهذا الذَّمُّ حاصلٌ لمَن كان فِعلُه مِن السَّعيِ في الأرضِ بالفَسادِ، أمَّا إنْ فعَلَ ذلك لإصْلاحٍ بيْن مُتَخاصِمَينِ ونَحوِه، فلا يَشمَلُه هذا التَّقْبيحُ. ويَدخُلُ في وَصْفِ ذي الوَجْهَينِ مَن يُظهِرُ الخَيرَ والصَّلاحَ، وإذا خَلا خَلا بالمَعاصي القِباحِ!
وفي الحَديثِ: فَضلُ التَّفقُّهِ في الدِّينِ.
وفيه: فَضلُ النَّسبِ إذا اقتَرَنَ بالدِّينِ والصَّلاحِ والعِلمِ في دِينِ اللهِ، والفِقْهِ في شَريعتِهِ.
وفيه: ذمُّ النَّفاقِ وأهلِه، والتَّحْذيرُ منهم.