باب - قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا
بطاقات دعوية
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -ذكر رمضان فقال:
" [الشهر تسع وعشرون ليلة] ". (وفي طريق: "الشهر هكذا، وهكذا". وخنس (4) الإبهام في الثالثة)، (وفي رواية: "الشهر هكذا، وهكذا، وهكذا"، يعني ثلاثين، ثم قال: "وهكذا، وهكذا، وهكذا"، يعني تسعا وعشرين، يقول مرة: ثلاثين، ومرة تسعا وعشرين 6/ 177)، " [فـ] لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له، (وفي رواية: فأكملوا العدة ثلاثين) ".
جعَلَ اللهُ الأهِلَّةَ لحِسابِ الشُّهورِ والسِّنينَ، فبِرُؤْيةِ الهِلالِ يَبدَأُ شَهْرٌ ويَنْتَهي آخَرُ، وعلى تلك الرُّؤْيةِ تَتَحدَّدُ فَرائضُ كَثيرةٌ، كالصِّيامِ، والحَجِّ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبدُ الله بنُ عمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «إنَّا أمَّةٌ أمِّيَّةٌ، لا نَكْتُبُ ولَا نَحْسُبُ»، أي: نحنُ العرَبَ تَغلِبُ علينا الأمِّيَّةُ، وهي البَقاءُ على أصْلِ وِلادةِ الأمِّ، يعني: أنَّنا لا نَعرِفُ القِراءةَ والكِتابةَ، والحِسابَ، أو المرادُ بالحِسابِ حِسابُ النُّجومِ والمنازلِ والفَلَكِ، وذلك باعتبارِ ما غلَب عليهم؛ وإلَّا فقدْ كان في العربِ مَن يعرِفُ ذلك، ولكنَّهم قِلَّةٌ.
فرُبِطَت عِبادتُنا بأعلامٍ واضحةٍ، وأُمورٍ ظاهرةٍ لائحةٍ، يَسْتوي في مَعرفتِها الحُسَّابُ وغيرُهم، ثمَّ تمَّمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ هذا المعنى بإشارتِه بيَدِه مِن غيرِ لَفظٍ، إشارةً يَفهَمُها الأخرسُ والأعجميُّ: «الشَّهرُ هكذا وهكذا». قال الرَّاوي: يعني أشارَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ مرَّةً تِسعةً وعِشرينَ، ومرَّةً ثلاثينَ؛ فأشار أوَّلًا بأصابعِ يَدَيْه العشْرِ جَميعًا مرَّتينِ وقبَضَ الإبهامَ في المرَّةِ الثالثةِ، وهذا هو المُعبَّرُ عنه بقولِه: «تِسعةً وعِشرين»، وأشار بهما مرَّةً أُخرى ثَلاثَ مرَّاتٍ، وهو المعبَّرُ عنه بقولِه: «ثَلاثينَ».
ولا يَزيدُ الشَّهرُ القَمريُّ عن الثَّلاثينَ، ولا يَقِلُّ عن التِّسعةِ والعشرينَ، ويُعرَفُ دُخولُ الشَّهرِ برُؤيةِ الهلالِ بعْدَ غُروبِ شَمسِ اليومِ التَّاسعِ والعِشرينَ، فإنْ خَفِيَ الهلالُ ولم يُرَ، يُتمَّمِ الشَّهرُ ثلاثينَ يَومًا.
ووَصْفُ «الأُمِّي» مِن الأوصافِ التي جَعَلَها اللهُ تعالَى مِن أوصافِ كَمالِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ومَدَحَه بها، وإنَّما كانتْ صِفةَ نقْصٍ في غيرِه؛ لأنَّ الكتابةَ والدِّراسةَ والدُّربةِ على ذلك هي الطُّرقُ المُوصِلةُ إلى العُلومِ التي بها تَشرُفُ نفْسُ الإنسانِ، ويَعظُمُ قَدْرُها عادةً، فلمَّا خصَّ اللهُ تعالَى نَبيَّنا محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعُلومِ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ مِن غيرِ كِتابةٍ ولا مُدارَسةٍ، كان ذلك خارقًا للعادةِ في حقِّه، ومِن أوصافِه الخاصَّةِ به الدَّالَّةِ على صِدقِه التي نُعِتَ بها في الكُتبِ القَديمةِ، وعُرِفَ بها في الأُمَمِ السَّابقةِ، كما قال تعالَى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ} الآيةَ [الأعراف: 157]؛ فقد صارتِ الأُمِّيةُ في حَقِّه مِن أعظَمِ مُعجزاتِه، وأجلِّ كَراماتِه، وهي في حقِّ غيرِه نقْصٌ ظاهرٌ، وعجْزٌ حاضرٌ.
وفي الحديثِ: استِعمالُ الإشارةِ المُفهِمةِ لتَقريبِ المعلومةِ.