باب كفارة من أتى أهله فى رمضان
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبى هريرة أن رجلا أفطر فى رمضان فأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا. قال لا أجد. فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « اجلس ».
فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرق فيه تمر فقال « خذ هذا فتصدق به ». فقال يا رسول الله ما أحد أحوج منى. فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت أنيابه وقال له « كله ».
قال أبو داود رواه ابن جريج عن الزهرى على لفظ مالك أن رجلا أفطر وقال فيه « أو تعتق رقبة أو تصوم شهرين أو تطعم ستين مسكينا ».
رمضان شهر كريم، وصيامه فرض على العاقل البالغ القادر، وللفطر العمد فيه أحكام، وفي هذا الحديث بيان للكفارة لمن جامع أهله في نهار رمضان، فيروي أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «هلكت!» أي: فعلت ما هو سبب لهلاكي، فسأله صلى الله عليه وسلم: «ما شأنك؟» فأخبر أنه جامع امرأته في نهار رمضان، فسأله صلى الله عليه وسلم عن استطاعته أن يعتق رقبة، ويراد بها العبد المملوك أو الأمة، فقال: لا أستطيع، فسأله صلى الله عليه وسلم عن استطاعته أن يصوم شهرين متتابعين، لا يفصل بين الشهرين بأيام فطر لغير عذر، فقال: لا أستطيع، فسأله صلى الله عليه وسلم عن استطاعته أن يطعم ستين مسكينا، قال: لا، فأوضح الرجل أنه فقير وعاجز عن أداء أي من أنواع الكفارات الثلاثة
فقال صلى الله عليه وسلم له: «اجلس»، وإنما أمره بالجلوس لانتظار الوحي في حقه، وقيل: أو عرف أنه سيؤتى بشيء يعينه به، فانتظر الرجل حتى أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، والعرق: المكتل أو الوعاء الضخم يسع خمسة عشر صاعا، والصاع يساوي بالجرام (2036) في أقل تقدير، وفي أعلى تقدير يساوي (4288) جراما، فقال صلى الله عليه وسلم له: «خذ هذا» العرق بتمره «فتصدق به» على الفقراء والمحتاجين، فقال الرجل: «أعلى أفقر منا؟!» أي: أتصدق به على شخص أفقر منا؟! كأنه قال: ليس هناك في المدينة من هو أفقر من أهل بيتي، فأنا أولى بهذه الصدقة من غيري، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى ظهرت «نواجذه» وهي آخر الأسنان أو هي الأضراس؛ تعجبا من حاله؛ حيث إنه جاءه خائفا على نفسه راغبا في فدائها، فلما وجد الرخصة طمع أن يأكل ما أعطيه من الكفارة! وقيل: ضحك من حسن بيان المتكلم وتلطفه في الخطاب وتوسله في التوصل إلى مقصده. ثم قال صلى الله عليه وسلم: «أطعمه عيالك»
وفي الحديث: أن كفارة الجماع في نهار رمضان مرتبة إعتاقا، ثم صوما، ثم إطعاما
وفيه: إعانة المعسر في الكفارة
وفيه: مشروعية المبالغة في الضحك عند التعجب
وفيه: استعمال الكناية فيما يستقبح ظهوره بصريح لفظه
وفيه: الرفق بالمتعلم، والتلطف في التعليم، والتأليف على الدين
وفيه: الندم على المعصية، واستشعار الخوف