باب ما جاء ستكون فتن كقطع الليل المظلم4
سنن الترمذى
حدثنا الحسن بن علي الخلال قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن علقمة بن وائل بن حجر، عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل سأله فقال: أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ويسألونا حقهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم»: هذا حديث حسن صحيح
أمَرَ اللهُ سُبحانه وتَعالَى عِبادَه المؤمِنينَ بالاعتصامِ بحَبلِ اللهِ وعدَمِ التَّفرُّقِ، ومِن لَوازمِ هذا الاعتصامِ اجتماعُ المسلمينَ على كَلمةٍ واحدةٍ وإمامٍ واحدٍ؛ فإنَّهم إذا تعدَّدَتْ كَلِمتُهم وتفرَّقَ أمراؤُهم، ضعُفَ شأنُهم وذَهبَتْ ريِحُهم، وظَهَرَ عليهم عَدوُّهم.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ وائلُ بنُ حُجْرٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ سَلَمَة بنَ يَزِيدَ الجُعْفِيَّ رَضيَ اللهُ عنه سَأَل رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن «الأُمراءِ» جمْعُ أميرٍ، والمرادُ به: مَن وَلِيَ أمرًا مِن أُمورِ المسْلِمين، «يَطلُبون مِنَّا» نحْنَ الرَّعيَّةَ حَقَّهم، مِنَ الطَّاعةِ والخِدمةِ، ويَمْنَعُونَا حقَّنا، وهو بَذْلُ العدْلِ وعدَمُ الظُّلمِ وحِفظُ الدِّينِ والأموالِ والأعراضِ، وغيْرُها مِن الحقوقِ الَّتي نَصَّ عليها الشَّرعُ، فمَا تَأمُرُنا أنْ نَفعَلَ معهم؟ فأخبَرَ وائلٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أعْرَضَ عنه، ولم يُجِبْه، ثُمَّ سَأَله مرَّةً أُخرى فأَعْرَضَ عنه، يُحتمَلُ أنْ يكونَ هذا الإعراضُ انتظارًا للوحْيِ، ويُحتمَلُ أنْ يكونَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَعَر مِن لَهْجةِ السَّائلِ وكَيفيَّةِ سُؤالِه، أنَّه يُريدُ الاستئذانَ في الخُروجِ على مِثلِ هؤلاء الأئمَّةِ؛ لأنَّه كَرِه تلك المسْألةَ؛ لأنَّها لا تَصدُرُ في الغالبِ إلَّا مِن قَلبٍ فيه تَشوُّفٌ لِمُخالَفتِه الأُمراءَ والخروجِ عليهم.
ويُخبِرُ وائلٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه في المرَّةِ الثَّانيةِ أو الثَّالثةِ مِن تَكرارِه للسُّؤالِ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، جَذَبه الأَشْعَثُ بنُ قَيْسٍ رَضيَ اللهُ عنه لِيُسْكِتَه؛ نَظًرا إلى إعراضِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنه وعدمِ إجابتِه، وليَمْنَعَه مِن الإصرارِ على سُؤالِه مَخافةَ أنْ يَسخَطَ عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأجابَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقال: «اسْمَعُوا وأَطِيعُوا» لقَولِهم وأمْرِهم؛ «فإنَّما عليهم ما حُمِّلوا« وهو ما كُلِّفُوا به مِنَ العَدْلِ وإعطاءِ حقِّ الرَّعِيَّةِ؛ فإنْ لم يَفْعَلوا فعليهم الوِزرُ، «وعليكم ما حُمِّلْتُم» مِنَ الطَّاعَةِ والصَّبرِ على البَلِيَّةِ، فبَيَّن صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه إنْ عَصى الأُمراءُ اللهَ فيكم، ولم يَقُوموا بحُقوقِكم، فلا تَعْصُوا اللهَ أنتُم فيهم، وقُوموا بحُقوقِهم؛ فإنَّ اللهَ مُجازٍ كلَّ واحدٍ مِن الفريقينِ بما عَمِل.
وفي الحديثِ: الأمرُ بطاعةِ الأُمراءِ على كلِّ حالٍ فيما يُرضِي اللهَ عزَّ وجلَّ، وإنْ لم يقوموا بحقِّ الرَّعِيَّةِ.