باب ما جاء في الصلاة على المديون2
سنن الترمذى
حدثني أبو الفضل مكتوم بن العباس الترمذي قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين، فيقول: «هل ترك لدينه من قضاء»، فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه، وإلا قال للمسلمين: «صلوا على صاحبكم»، فلما فتح الله عليه الفتوح، قام فقال: «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المسلمين فترك دينا علي قضاؤه، ومن ترك مالا فهو لورثته»: «هذا حديث حسن صحيح»، وقد رواه يحيى بن بكير، وغير واحد، عن الليث بن سعد نحو حديث عبد الله بن صالح
الدَّيْنُ مِن حُقوقِ العِباد التي يَجِبُ الوَفاءُ بها؛ فالمَدِينُ يَنبغي له أنْ يُبْرِئَ ذِمَّتَه مِن الدَّيْنِ المُسْتَحَقِّ عليه، ولعِظَمِ أمْرِ الدَّينِ وخَطَرِه، كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يُصلِّي على أحدٍ ماتَ عليه دَيْنٌ، وليس في تَرِكَتِه ما يُمْكِنُ سَدادُه منْه.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي سَلَمةُ بنُ الأكوَعِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم كانوا جالِسين عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَجِيءَ إليه بثَلاثِ جَنازاتٍ مُتفرِّقاتٍ؛ ليُصلِّيَ عليها، فلَمَّا سَأَلَ عن الميِّتِ الأَوَّلِ وعَلِم أنَّه ليس عليه دَيْنٌ، صَلَّى عليه، ولَمَّا سأَلَ عن الثاني، وعَلِم أنَّ عليه دَيْنًا لكنَّه تَرَك ثَلاثةَ دَنانيرَ يُوفَّى منها الدَّينُ؛ صَلَّى عليه، فلمَّا أُتِيَ بِجَنازَةٍ ثالثةٍ، وعَلِم أنَّ صاحبَها عليه دَيْنٌ -ثَلاثةُ دَنانيرَ- ولم يَترُكْ شَيئًا يُوفَّى به الدَّينُ؛ لم يُصَلِّ عليه، وقال لأصحابِه: صَلُّوا على صاحبِكم، فتَكفَّلَ أبو قَتادةَ الأنصاريُّ رَضيَ اللهُ عنه بسَدادِ دَينِ هذا الميِّتِ، فصَلَّى عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لأنَّ الدَّينَ قد نُقل مِن ذِمَّةِ الميِّتِ إلى ذِمَّةِ رجُلٍ آخَرَ، فتَحمَّلَها عنه، وفي الحَمالةِ بَراءةٌ لذِمَّةِ الميِّتِ مِن الدَّينِ.
وفي الحديثِ: التَّشديدُ في أمْرِ الدُّيونِ، وأنَّه يَعلَقُ برَقَبةِ المَدينِ بعْدَ مَوتِه حتَّى يُقْضى عنه بأيِّ صُورةٍ.
وفيه: حِمايةُ الإسلامِ لحُقوقِ النَّاسِ الماليَّةِ.