‌‌باب ما جاء في كراهية طروق الرجل أهله ليلا

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في كراهية طروق الرجل أهله ليلا

أخبرنا أحمد بن منيع قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الأسود بن قيس، عن نبيح العنزي، عن جابر، «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم أن يطرقوا النساء ليلا» وفي الباب عن أنس، وابن عمر، وابن عباس: «هذا حديث حسن صحيح وقد روي من غير وجه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم» وقد روي عن ابن عباس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهاهم أن يطرقوا النساء ليلا " قال: «فطرق رجلان بعد نهي النبي صلى الله عليه وسلم فوجد كل واحد منهما مع امرأته رجلا»

لقدْ ضرَبَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أرْوَعَ الأمْثِلَةِ في حُسْنِ الخُلقِ، وطِيبِ العِشرةِ بيْن الرَّجلِ وأهْلِه، وعلَّم الأزواجَ كيْف يُعامِلون زَوجاتِهنَّ، وكيْف يَبْنُون العَلاقةَ الزَّوجيَّةِ على الثِقةِ المُتبادَلةِ وعدَمِ الغَيرةِ القاتلةِ، أو سُوءِ الظَّنِّ المُدمِّرِ للحياةِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ جابِرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضِي اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم نَهى أنْ يَقدَمَ الرَّجلُ المسافرُ ويَدخُلَ على أَهلِه لَيلًا، ثُمَّ بَيَّن صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم سَببَ النَّهيِ بقولِه: «يَتخوَّنُهُم أَوْ يَلتَمِسُ عَثَراتِهم»، أي: يَظُنُّ خِيانَتَهم ويَكشِفُ أسْتارَهُم، هلْ خانوا أمْ لا؟ فيُكرَهُ لمَن طال سَفَرُه أنْ يَقدَمَ على امرأتِه لَيلًا بَغتةً، فأمَّا مَن كان سَفرُه قَريبًا تَتوقَّعُ امرأتُه إتيانَه لَيلًا، فلا بَأسَ.
وفي الصَّحيحينِ: «أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كانَ لا يَطْرُقُ أَهْلَهُ لَيْلًا، وَكانَ يَأْتِيهِمْ غُدْوَةً أوْ عَشِيَّةً»، فكان لا يَدخُلُ على أهلِه إذا قَدِمَ مِن سَفَرٍ لَيلًا، ولكنْ كان يَأْتي غُدْوةً، وهو مِن صَلاةِ الفَجْرِ إلى طُلوعِ الشَّمسِ، وعَشِيَّةً، وهو مِن زَوالِ الشَّمسِ -وَقتُ صَلاةِ الظُّهرِ- إلى غُروبِها؛ وذلك لأنَّ إتيانَ الرَّجلِ زَوجتَه بِاللَّيلِ فيه مُباغَتةٌ لها، وقدْ لا تكونُ مُستعدَّةً لِاستِقبالِ زَوجِها، وقدْ كان غابَ عنها مدَّةً، فناسَبَ ذلك ألَّا يَأتيَها لَيلًا بَغْتَةً.
وَفي الحَديثِ: النَّهيُ عَنِ التَّجسُّسِ على الأَهلِ، وعَدمُ الدُّخولِ عليهم لَيلًا بعْدَ الرُّجوعِ مِن السَّفرِ.
وفيه: الحثُّ على إتيانِ أسبابِ التَّوادِّ والتَّحابِّ بيْن الزَّوجينِ.
وفيه: التَّحريضُ على ترْكِ التَّعرُّضِ لِما يُوجِبُ سُوءَ الظَّنِّ بالمسلمِ.