باب ما جاء في المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل
عن أم سلمة، قالت: جاءت أم سليم بنت ملحان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة - تعني غسلا - إذا هي رأت في المنام مثل ما يرى الرجل؟ قال: «نعم، إذا هي رأت الماء فلتغتسل»، قالت أم سلمة: قلت لها: فضحت النساء يا أم سليم، هذا حديث حسن صحيح، وهو قول عامة الفقهاء: أن المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل فأنزلت أن عليها الغسل، وبه يقول سفيان الثوري، والشافعي وفي الباب عن أم سليم، وخولة، وعائشة، وأنس
الحياءُ كلُّه خَيرٌ، وهو مِن الإيمانُ، ومِن الأخلاقِ المَحمودةِ التي يجِبُ أنْ يَتحلَّى بها الرِّجالُ والنِّساءُ على السَّواءِ.وفي هذا الحَديثِ تُخبِرُ زَينبُ ابنةُ أمِّ سَلَمةَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ أمَّ سُلَيمٍ -وهي والدةُ أنسِ بنِ مالكٍ وزَوجةُ أبي طلحة الأنصاري رَضيَ اللهُ عنهم جميعًا- أتتْ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حُضورِ أمِّ سَلَمَة رَضيَ اللهُ عنها زَوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فمَهَّدَتْ لسُؤالِها، وقالت: إنَّ اللهَ لا يَسْتحيي مِن الحقِّ، فلا يَمتنِعُ مِن بَيانِه وإظهارِه؛ وذلك لأنَّ ما ستَذكُرُه للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِمَّا تَسْتحيي النِّساءُ مِن ذِكْرِه عادةً بحَضْرةِ الرِّجالِ، ثمَّ سَألَتْ سُؤالَها: هل يَجِبُ على المرأةِ مِن غُسْلٍ إذا احتلَمَتْ، فرَأَتْ في مَنامِها أنَّ الرَّجُلَ يُجامِعُها؟ فأجابَها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الغُسْلَ يَجِبُ عليها إذا رَأَتِ «الماءَ»، أي: المَنِيَّ؛ إذا استَيقظَتْ مِن نَومِها، فإذا لم تَرَهْ فلا غُسْلَ عليها، فغَطَّتْ أمُّ سَلَمَةَ رَضيَ اللهُ عنها وجْهَها حَياءً مِن السُّؤالِ؛ لأنَّ نُزُولَ المَنِيِّ منهنَّ يدُلُّ على قُوَّةِ شَهوتِهنَّ للرِّجالِ، وسَألَتِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَعجُّبًا: أَوَتَحتلِمُ المرأةُ؟ أي: أتَرى المرأةُ المَنِيَّ، وتَحتلِمُ كالرِّجالِ، فأجابَها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: نَعمْ؛ تَحتلِمُ وتَرى المَنيَّ. ثمَّ قال لها: «تَرِبَتْ يَمينُك»، أي: افتقَرَتْ وصارَتْ على التُّرابِ، وهي كَلمةٌ جاريةٌ على ألْسِنةِ العرَبِ لا يُريدونَ بها الدُّعاءَ على المخاطَبِ، ثمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فبِمَ يُشبِهُها وَلَدُها؟ والمعنى: فبأيِّ شَيءٍ يُشْبِهُها وَلَدُها لو لم يكُنْ لها ماءٌ؟ وماءُ الرَّجلِ غَليظٌ أبيضُ، وماءُ المرأةِ رَقيقٌ أصفرُ، وقد جاء أنَّ أيَّ الماءينِ عَلا الآخَرَ أو سَبَقَ، كان منه الشَّبَهُ الذي في وَلَدِهما.
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن الحَياءِ في طَلَبِ العِلمِ والسُّؤالِ عن الدِّينِ؛ لأنَّه حقٌّ.
وفيه: بَيانُ أنَّ للمَرأةِ ماءً، وأنَّها تَحتلِمُ كالرِّجالِ، ومنه يكون الشَّبَهُ بالأُمِّ.
وفيه: الأمْرُ بالغُسلِ لِمَن يَحتلِمُ إذا رَأى الماءَ «المَنِيَّ» بعْدَ الاستِيقاظِ.
وفيه: ثُبوتُ شَبَهِ الوَلَدِ بأبيهِ أو أُمِّه.