باب ما جاء في مثل ابن آدم وأجله وأمله2
سنن الترمذى
حدثنا الحسن بن علي الخلال وغير واحد، قالوا: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الناس كإبل مائة لا يجد الرجل فيها راحلة»: «هذا حديث حسن صحيح»
النَّاسُ في أحوالهم مَذاهِبُ ومَشارِبُ، ويختَلِفون اختلافًا ظاهِرًا في التزامِهم وتطبيقِهم لأحكامِ الدِّينِ.
وفي هذا الحَديثِ يخبرُنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ النَّاسَ في أحكامِ الدِّينِ سَواءٌ؛ لا فضْلَ فِيها لشَرِيفٍ على مَشروفٍ، ولا لرَفيعٍ على وَضيعٍ، ولا لغنيٍّ على فقيرٍ؛ وهم كالإبلِ المائةِ التي لا تَكادُ تَجِدُ فيها راحلةً، وهي الجَمَلُ النجيبُ الذي يَصلُحُ لسَيرِ الأسفارِ ولحَملِ الأثقالِ، أو المعنى: أنَّ أكثَرَ النَّاسِ أهلُ نقْصٍ، وأمَّا أهلُ الفضلِ فعَدَدُهم قَليلٌ جِدًّا؛ فهم بمَنزلةِ الرَّاحلةِ في الإبلِ الحَمُولةِ، أو المعنى: أنَّ النَّاسَ كثيرٌ، والمرضيُّ منهم قليلٌ، وغيرُ المرضيِّ هو من ضَيَّع الفرائِضَ، ومن كانت هذه صِفَتَه فالاختيارُ عَدَمُ مُعاشرتِه، أو المعنى: أنَّ الزاهِدَ في الدُّنيا الكامِلَ فيه الرَّاغِبَ في الآخرةِ قَليلٌ كقِلَّةِ الرَّاحِلةِ في الإبِلِ؛ لأن الذي يَصلُحُ للركوبِ ينبغي أن يكونَ وَطِيئًا سَهلَ الانقيادِ، وكذا لا تجِدُ في مائةٍ مِنَ النَّاسِ من يَصلُحُ للصُّحبةِ، بأن يُعاوِنَ رَفيقَه، ويُلِينَ جانِبَه.
وفي الحَديثِ: إظهارُ جوامِعِ كَلِمِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبديعِ بلاغَتِه.
وفيه: السَّعيُ والاجتهادُ في تَأهيلِ الرِّجالِ الذين يَصلُحون للقيامِ بالمهمَّاتِ، والأمورِ الكُلِّيَّةِ العامَّةِ النَّفعِ.