باب ما جاء في تغيير المنكر باليد أو باللسان أو بالقلب2
سنن الترمذى
حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش، عن الشعبي، عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر فأصاب بعضهم أعلاها، وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها يصعدون فيستقون الماء فيصبون على الذين في أعلاها فقال الذين في أعلاها: لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا، فقال الذين في أسفلها: فإنا ننقبها من أسفلها فنستقي، فإن أخذوا على أيديهم فمنعوهم نجوا جميعا وإن تركوهم غرقوا جميعا ": هذا حديث حسن صحيح
الأمرُ بالمَعروفِ والنَّهيُ عن المنكَرِ مِن أجَلِّ العِباداتِ؛ فَبِه يَقومُ أمرُ المسلمينَ، ويَنصَلِحُ حالُ أُمَّتِهم، وبدُونِه تَنهَدِمُ هذه الأُمَّةُ.
وفي هذا الحديثِ يَضرِبُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَثَلًا لأهَمِّيَّةِ القيامِ بالأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عن المنكَرِ، فمَثَّل القائمينَ بِحُدودِ اللهِ -وهم المُستَقِيمون على أمرِ الله، الآمِرُون بالمعروفِ النَّاهُون عن المنكرِ- والواقعين في حدود الله -أي: التارِكين للمعروف، والمرتكبين للمنكر- بِرُكَّابٍ رَكِبوا في سَفِينةٍ، تَنازَعوا مَن يكونُ في أعْلاها ومَن يكونُ في أسْفَلِها، فاقْتَرَعوا على مَن يَجلِسُ أعلَى السَّفِينَةِ ومَن يَجلِسُ أسْفَلَها، فنال بَعضُهم بالقُرعةِ أعْلاها، وبَعضُهم نالَ بالقُرعةِ أسْفَلَها، وكان الَّذين في الأسفَلِ إذا أرادوا جَلْبَ الماءِ مَرُّوا على مَن فَوقَهم مِن أهْلِ الأدوارِ العُلْيا، وفي مَوضعٍ آخَرَ في صَحيحِ البُخاريِّ قال: «فتَأذَّوا به»، ففي ذَهابِهم وإيابِهِم وإمرارِهم بالماءِ عليهم أذيَّةٌ لمَن همْ في أعْلى السَّفينةِ، فقال الذين في الأسفَلِ: لو أنَّا خَرَقْنا خَرْقًا في نَصِيبِنا الَّذي في الأسفَلِ، فجَلَبْنا الماءَ مُباشَرةً دونَ أنْ نَصعَدَ لأعلَى السَّفينةِ ونَضُرَّ مَن في الأعلَى؛ لَكان أفضَلَ، وفي رِوايةٍ في البُخاريِّ قال: «فأخَذَ فأْسًا، فجَعَلَ يَنقُرُ أسفَلَ السَّفينةِ»، فلو ترَكَهم مَن بالأعْلى يَفعَلون ذلك، لَغَرِقَتِ السَّفينةُ بهمْ جميعًا؛ لأنَّ مِن لازِمِ خَرْقِ السَّفينةِ غَرَقُها وأهْلِها.
ولو قامُوا بِنَهْيِهم عن ذلك ومَنَعوهم مِن ارتِكابِ هذا الخَطأِ، لَنَجى الفريقانِ جَميعًا.
فهذا حالُ الآمِرِين بالمعروفِ النَّاهِين عن المنكَرِ، لو تَرَكوا ذلك لَهلَكَتِ الأُمَّةُ بأَجْمَعِها، ولو فَعَلوه ونَهَوُا النَّاسَ عن المُنكَرِ لَصَلَح حالُ الجميعِ.