باب ما جاء في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا في أمته1
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا وهب بن جرير قال: حدثنا أبي، قال: سمعت النعمان بن راشد يحدث، عن الزهري، عن عبد الله بن الحارث، عن عبد الله بن خباب بن الأرت، عن أبيه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة فأطالها، فقالوا: يا رسول الله، صليت صلاة لم تكن تصليها، قال: «أجل إنها صلاة رغبة ورهبة، إني سألت الله فيها ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألته أن لا يهلك أمتي بسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها، وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها»: هذا حديث حسن صحيح وفي الباب عن سعد، وابن عمر_________
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَجتهِدُ في العِبادةِ، ويَسأَلُ اللهَ عزَّ وجلَّ بما فيه الصَّالِحُ للدِّينِ والأمَّةِ، وفي هذا الحديثِ يقولُ خبَّابُ بنُ الأرَتِّ رَضِي اللهُ عَنه: "صلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم صلاةً فأطالها"، أي: أطال فيها، إشارةً إلى أنَّ هذا على خلافِ العادةِ منه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، قال الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عَنهم: "يا رسولَ اللهِ، صلَّيتَ صلاةً لم تَكُنْ تُصلِّيها"، أي: على غيرِ العادةِ في طُولِها.
وفي روايةٍ: أنَّها كانَت صلاةَ اللَّيلِ، وأنَّ الَّذي سأَله هو خَبَّابٌ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "أجَلْ، إنَّها صلاةُ رغبةٍ ورهبةٍ"، أي: إنَّ سبَبَ إطالَتِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم للصَّلاةِ أنَّه قصَد فيها رغبةً فيما عِندَ اللهِ مِن إجابتِه الدُّعاءَ، وخَشِي ألَّا يَستجيبَ اللهُ له، "إنِّي سألتُ اللهَ فيها ثلاثًا، فأعطاني اثنتَين ومنَعَني واحدةً"، أي: دعَوتُ اللهَ عزَّ وجلَّ بثلاثِ دعَواتٍ استَجاب لاثنَينِ مِنها وردَّ ومنَع الثَّالثةَ، "سألتُه: ألَّا يُهلِكَ أمَّتي بسَنةٍ"، أي: بقَحْطٍ ومَجاعةٍ تَستأصِلُهم وتُضعِفُهم، "فأَعْطانيها"، أي: أجاب اللهُ عزَّ وجلَّ له تِلك الدَّعوةَ، "وسأَلتُه ألَّا يُسلِّطَ عليهم عدوًّا مِن غيرِهم"، أي: ولا يَكونَ هَلاكُهم بعَدوٍّ مِن الكفَّارِ يَستبيحُهم، فيَستأصِلُهم ويُضعِفُهم، "فأعطانيها"، أي: فأجابَه اللهُ عزَّ وجلَّ الثَّانيةَ، "وسَألتُه ألَّا يُذيقَ بعضَهم بأسَ بعضٍ"، أي: ألَّا يقَعَ بينَهم فُرقةٌ وقِتالٌ تُهلِكُهم وتُضعِفُهم، "فمَنَعَنيها"، أي: لم يُجِبِ اللهُ عزَّ وجلَّ له تلك الدَّعوةَ، وفي هذا ورَد قولُه تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: 65].
وفي الحديثِ: بيانُ ما كان عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن شفَقةٍ على أمَّتِه، ورأفةٍ بهم.
وفيه: علامةٌ مِن عَلاماتِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.