باب ما جاء في فضل من أعتق
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا عمران بن عيينة، وهو أخو سفيان بن عيينة، عن حصين، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي أمامة، وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما امرئ مسلم، أعتق امرأ مسلما، كان فكاكه من النار، يجزي كل عضو منه عضوا منه، وأيما امرئ مسلم، أعتق امرأتين مسلمتين، كانتا فكاكه من النار، يجزي كل عضو منهما عضوا منه، وأيما امرأة مسلمة، أعتقت امرأة مسلمة، كانت فكاكها من النار، يجزي كل عضو منها عضوا منها»: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه: وفي الحديث ما يدل على أن عتق الذكور للرجال أفضل من عتق الإناث لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أعتق امرأ مسلما كان فكاكه من النار، يجزي كل عضو منه عضوا منه». الحديث صح في طرقه
عِتقُ الرِّقابِ مِن أفضَلِ القُرباتِ عِندَ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ ولذلك حَثَّ الشَّرعُ على عِتْقِها وتَحريرِها، وبيَّن الأجْرَ العظيمَ على ذلك.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "أيُّما امرِئٍ مُسلمٍ"، أي: كان حرًّا، "أعتَق امْرَأً مُسلِمًا"، أي: كان مَملوكًا وحرَّره مِن العبوديَّةِ، "كان"، أي: كان جزاءُ ذلك الحُرِّ، "فَكاكَه مِن النَّارِ"، أي: كان خَلاصَه مِن النَّارِ يومَ القِيامةِ، "يُجْزي كلُّ عُضوٍ منه عضوًا منه"، أي: يُعتَقُ مِن أعضاءِ الحُرِّ يومَ القِيامةِ بما يُقابله من أعضاءِ العَبدِ الَّذي أعتقَه في الدُّنيا، "وأيُّما امرِئٍ مُسلِمٍ أعتَق امرَأَتَين مُسلِمتَين"، أي: وإنْ كان عِتقُه وتحريرُه لامرَأَتين وكانَتا مُسلِمتَين، "كانتا"، أي: كان جَزاؤُه في المرأتَين اللَّتَين أعتَقَهما يومَ القيامةِ أن يَكونَ العِتقُ "فَكاكَه مِن النَّارِ، يُجْزي كلُّ عضوٍ مِنهما عضوًا مِنه"، أي: يُعتَقُ مِن أعضاءِ الحُرِّ يومَ القِيامةِ بما يُقابِلُه مِن مجموعِ أعضاءِ المرأَتَين اللَّتَين أعتَقَهنَّ في الدُّنيا، "وأيُّما امرَأةٍ مُسلِمةٍ"، أي: كانتْ حرَّةً، "أَعتقَت امرأةً مُسلِمةً"، أي: كانتْ مملوكةً وحرَّرَتها مِن العُبوديَّةِ، "كانتْ فَكاكَها مِن النَّارِ، يُجْزِئُ كلُّ عُضوٍ منها عُضوًا منها"، أي: بمِثلِ ما يُجازَى الرَّجلُ الحرُّ تُجازى كذلك المرأةُ الحرَّةُ إنْ هم سَعَوا في عِتقِ غيرِهم مِن المسلِمين مِن العُبوديَّةِ.
وقد ثبَت في الصَّحيحَينِ عن أبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، قال: "مَن أعتَق رَقَبةً مُسلِمةً، أعتَق اللهُ بكُلِّ عَضوٍ منه عَضوًا مِن النَّارِ، حتَّى فَرْجَه بفَرْجِه".
وهذا كلُّه يدُلُّ على أنَّ عِتْقَ المماليكِ وتَحريرَ العَبيدِ والإماءِ، ذُكورًا وإناثًا مِن المنجِيَاتِ مِن النَّارِ، وإنْ كان البعضُ يَرى أنَّ عِتْقَ العَبيدِ الذُّكورِ أَوْلَى مِن عِتْقِ الإماءِ؛ حتَّى لا تَضيعَ النِّساءُ بسبَبِ عدَمِ قُدرتِهنَّ على التَّكسُّبِ.