‌‌باب من تحل له الزكاة

سنن الترمذى

‌‌باب من تحل له الزكاة

حدثنا قتيبة، وعلي بن حجر، قال قتيبة: حدثنا شريك، وقال علي: أخبرنا شريك - والمعنى واحد - عن حكيم بن جبير، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش، أو خدوش، أو كدوح»، قيل: يا رسول الله، وما يغنيه؟ قال: «خمسون درهما، أو قيمتها من الذهب» وفي الباب عن عبد الله بن عمرو.: «حديث ابن مسعود حديث حسن، وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير، من أجل هذا الحديث»،
‌‌

لقد ربَّى النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أصحابَه على العِفَّةِ وعِزَّةِ النَّفسِ، ومن ذلك: أنَّه نَهَى عن سُؤالِ النَّاسِ والْتِماسِ الحاجَةِ مِنهم، إلَّا عِندَ الاضطِرارِ والحاجةِ الشَّديدةِ، حيثُ يقولُ في هذا الحَديثِ: "مَن سأَل النَّاسَ"، أي: طلَب حاجتَه فيهم دُونَ وجهِ حَقٍّ ولم يُعِفَّ نفْسَه، "وله ما يُغْنيه"، أي: وعِندَه ما يَكْفيه عن سؤالِ النَّاسِ، "جاء يومَ القيامَةِ ومَسأَلتُه"، أي: وأثَرُ تِلك المسألةِ، "في وجْهِه خُموشٌ، أو خُدوشٌ، أو كُدوحٌ"، والثَّلاثةُ متقاربةٌ في المعنى، والمرادُ: كالجُرحِ في وَجهِه، وقيل: ذَهابُ الكَرامةِ والحياءِ منه، وقيل: هي أماراتٌ يُعرَفُ بها يومَ القيامةِ أنَّه ممَّن كان يَسأَلُ النَّاسَ في الدُّنيا، والألفاظُ تَدُلُّ على حَجمِ مُساءَلتِه للنَّاسِ مِن القِلَّةِ والكثرةِ، فالخَمْشُ أشَدُّ في مَعناه مِن الخَدْشِ، والخدشُ أبلَغُ أثَرًا مِن الكَدْحِ. "قيل: يا رسولَ اللهِ، وما يُغْنيه؟"، أي: سُئِلَ ما حَدُّ كِفايَتِه الَّتي إذا سأل النَّاسَ وهو عِندَه وقَع عليه الجزاءُ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "خَمسون دِرهمًا أو قيمتُها مِن الذَّهبِ"، أي: هذا حَدُّ كِفايَتِه، والقَدْرُ مِن المالِ الَّذي يَمتنِعُ به عن السُّؤالِ، وهذا مِن التَّربيةِ النَّبويَّةِ للمُسلِمين على التَّكفُّفِ والتَّعفُّفِ وعدَمِ سُؤالِ النَّاسِ أو الطَّمعِ في أموالِهم مِن أنَّ اللهَ يُحِبُّ مِن العَبدِ أن يَسأَله وهو سُبحانَه عِندَه خزائنُ السَّمواتِ والأرضِ.

.