باب ما جاء في مثل المؤمن القارئ للقرآن وغير القارئ2
سنن الترمذى
حدثنا الحسن بن علي الخلال وغير واحد، قالوا: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الرياح تفيئه، ولا يزال المؤمن يصيبه بلاء، ومثل المنافق مثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد»: «هذا حديث حسن صحيح»
مِن الأساليبِ التي امتازَ بها البَيانُ في القُرآنِ والسُّنَّةِ النَّبويَّةِ: التَّشبيهُ وضَربُ الأمثالِ؛ لِتَقريبِ المفاهيمِ للنَّاسِ عندَ وَعْظِهم وتَعليمِهم.
ويَشتمِلُ هذا الحديثُ على تَشبيهٍ رائعٍ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فقدْ أُوتِيَ جَوامعَ الكَلِمِ، فشبَّهَ المؤمنَ بالخَامَةِ مِن الزَّرعِ، وهي النَّبْتةُ الغَضَّةُ الطَّريَّةُ منه، تُميلُها الرِّيحُ مرَّةً وتَعدِلُها أُخرى، وشبَّهَ المنافقَ بالأَرْزَةِ، وهو شَجرٌ مَعروفٌ، يُقالُ له: الأَرْزَنُ، يُشبِهُ شَجرَ الصَّنَوْبَرِ، وقيل: هو شجر الصَّنَوْبَرِ، وقيل: هو ذَكَرُ الصَّنَوْبَرِ، وهو الشَّجَرُ الذي يُعمَّرُ طَويلًا، وهي صُلبةٌ صَمَّاءُ ثابِتةٌ، ويكون انْجِعَافُهَا - أي: انقِلاعُها - مرَّةً واحدةً.
ووجْهُ التَّشبيهِ أنَّ المؤمن مِن حيث إنْ جاءه أمْرُ اللهِ انْصاعَ له ورضِيَ به؛ فإنْ جاءه خيْرٌ فرِحَ به وشَكَر، وإنْ وقَع به مَكروهٌ صبَر ورَجا فيه الأجرَ، فإذا اندفَع عنه اعتدَل شاكرًا، والنَّاسُ في ذلك على أقسامٍ؛ منهم مَن يَنظُرُ إلى أجْرِ البلاء فيَهُونُ عليه البلاءُ، ومنهم مَن يرى أنَّ هذا مِن تَصرُّفِ المالك في مِلكِه، فيُسلِّمُ ولا يَعترِضُ.
ووَجْهُ تَشبيهِ المنافقِ بالأرْزةِ: أنَّ المنافقَ لا يَتفقَّدُه اللهُ باختبارِه، بل يَجعَلُ له التَّيسيرَ في الدُّنيا؛ لِيَتعسَّرَ عليه الحالُ في المعادِ، حتَّى إذا أراد اللهُ إهْلاكَه قصَمَهُ، فيكونُ مَوتُه أشَدَّ عَذابًا عليه وأكثَرَ ألَمًا في خُروجِ نفْسِه.
وفي الحَديثِ: بيانُ أنَّ سُنَّةَ الابتلاءِ ماضِيةٌ في العِبادِ، وأنَّ الابتلاءَ للمُؤمِنِ إنما هو رَحمةٌ مِن اللهِ عزَّ وجَلَّ ولُطفٌ به.