باب ما جاء في مثل المؤمن القارئ للقرآن وغير القارئ2
سنن الترمذى
حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال: حدثنا معن قال: حدثنا مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وهي مثل المؤمن حدثوني ما هي»؟ قال عبد الله: فوقع الناس في شجر البوادي ووقع في نفسي أنها النخلة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هي النخلة» فاستحييت أن أقول قال عبد الله: فحدثت عمر، بالذي وقع في نفسي. فقال: «لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا»: «هذا حديث حسن صحيح» وفي الباب عن أبي هريرة
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُعلِّمًا حَكيمًا ومُربِّيًا عَظيمًا، وكان يُقرِّبُ المَفاهيمَ للناسِ بضَربِ الأمثالِ الموضِّحةِ.وفي هذا الحَديثِ يَرْوي عبدُ اللهِ بنُ عمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سأَلَ أصحابَه عن الشَّجرةِ الَّتي لا يَسقُطُ ورَقُها، وشبَّهها بالمسلمِ، فذهَبَت أفكارُهم أنَّها مِن شجَرِ البَوادي، جمْع باديةٍ، وهي الصَّحراءِ، فكان كلُّ إنسانٍ يُفسِّرُها بنَوعٍ مِن أنواعِ شَجرِ الصَّحراءِ، وذهَلوا عن النَّخلةِ، ووقَعَ في نفْسِ ابنِ عمرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّها النَّخلةُ، ولكنَّه استَحْيا أنْ يَذكُرَ ما في نفْسِه تَوقيرًا لأكابرِ الصَّحابةِ الحاضرينَ الذين لم يَعرِفوها، ففسَّرها لهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالنَّخلةِ.
وأشبَهَت النَّخلةُ المسلمَ في كَثرةِ خَيرِها، ودَوامِ ظِلِّها، وطِيبِ ثَمرِها، ويُتَّخَذُ منها مَنافعُ كثيرةٌ، وهي كلُّها مَنافعُ وخيرٌ وجَمالٌ، والمؤمنُ خيرٌ كلُّه؛ مِن كَثرةِ طاعاتِه، ومَكارمِ أخلاقِه، ومُواظبتِه على عِبادتِه، وصَدَقتِه، وسائرِ الطَّاعات، فكأنَّ الخيرَ لا يَنقطِعُ منه، فهو دائمٌ كما تَدومُ أوراقُ النَّخلةِ فيها، ثمَّ الثَّمَرُ الكائنُ منها في أوقاتِه.
وفي الحديثِ: إلْقاءُ العالِمِ المسائلَ على المُتعلِّمين؛ ليَختبِرَ أفهامَهم.
وفيه: ما يدُلُّ على فِطنةِ عبدِ اللهِ بنِ عمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما.
وفيه: فضْلُ النَّخلةِ، وشَبَهُها بالمُسلمِ.