باب ما يدل على ترك الكلام فى الفتنة
حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا شعبة عن الأشعث بن سليم عن أبى بردة عن ثعلبة بن ضبيعة قال دخلنا على حذيفة فقال إنى لأعرف رجلا لا تضره الفتن شيئا. قال فخرجنا فإذا فسطاط مضروب فدخلنا فإذا فيه محمد بن مسلمة فسألناه عن ذلك فقال ما أريد أن يشتمل على شىء من أمصاركم حتى تنجلى عما انجلت.
( عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ ضُبَيْعَةَ ) : بِالتَّصْغِيرِ ( فَإِذَا فُسْطَاطٌ ) : بِالضَّمِّ أَيْ خِبَاءٌ ( فَإِذَا فِيهِ ) : أَيْ فِي الْفُسْطَاطِ ( فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ ) : أَيْ عَنْ سَبَبِ خُرُوجِهِ وَإِقَامَتِهِ فِي الْفُسْطَاطِ ( فَقَالَ ) : أَيْ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ( مَا أُرِيدُ أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَيَّ ) : بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ ( شَيْءٌ ) : فَاعِلُ " يَشْتَمِلَ " ( مِنْ أَمْصَارِكُمْ ) : الْمَعْنَى لَا أُرِيدَ أَنْ أَسْكُنَ وَأُقِيمَ فِي أَمْصَارِكُمْ ( حَتَّى تَنْجَلِيَ ) : أَيْ تَنْكَشِفَ وَتَزُولَ يُقَالُ انْجَلَى الظَّلَامُ إِذَا كُشِفَ ( عَمَّا ) : مَا مَصْدَرِيَّةٌ ( انْجَلَتْ ) : أَيْ تَجَلَّتْ وَتَبَيَّنَتْ ، يُقَالُ لِلشَّمْسِ إِذَا خَرَجَتْ مِنَ الْكُسُوفِ تَجَلَّتْ وَانْجَلَتْ وَهُوَ انْفِعَالٌ مِنَ التَّجْلِيَةِ ، وَالتَّجْلِيَةُ التَّبْيِينُ
قَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِذَا جَلَّاهَا إِذَا بَيَّنَ الشَّمْسَ فَكَأَنَّ الْمَعْنَى حَتَّى تَزُولَ الْفِتَنُ عَنْ تَبَيُّنِهَا وَظُهُورِهَا
وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَا مَوْصُولَةً وَالْمُرَادُ مِنَ الْمِصْرِ ، وَانْجَلَتْ بِمَعْنَى تَجَلَّتْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَالتَّجَلِّي يَجِيءُ بِمَعْنَى التَّغْطِيَةِ أَيْضًا كَمَا فِي حَدِيثِ الْكُسُوفِ فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلَّانِي الْغَشْيُ أَيْ غَطَّانِي . فَانْجَلَتْ هَاهُنَا بِمَعْنَى غَطَّتْ ، وَالضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ رَاجِعٌ إِلَى الْفِتَنِ وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ الَّذِي يَعُودُ إِلَى مَا الْمَوْصُولَةِ مَحْذُوفٌ ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ حَتَّى تَنْكَشِفَ الْفِتَنُ عَنِ الْأَمْصَارِ الَّذِي غَطَّتْهُ الْفِتَنُ
وَيُمْكِنُ أَنْ لَا يُقَالَ انْجَلَتِ الَّذِي هُوَ مِنَ اللَّازِمِ بِمَعْنَى غَطَّتِ الَّذِي هُوَ مِنْ بَابِ التَّعْدِيَةِ ، بَلْ يُقَالُ بِمَعْنَى تَغَطَّتْ مِنَ اللَّازِمِ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى مَا الْمَوْصُولَةِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْأَمْصَارُ لَا الْمِصْرُ ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى حَتَّى تُكْشَفَ الْفِتَنُ عَنِ الْأَمْصَارِ الَّتِي تَغَطَّتْ أَيْ بِالْفِتَنِ لَكِنَّ أَظْهَرَ الْمَعَانِي هُوَ الْأَوَّلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ . ( عَنْ ضُبَيْعَةَ بْنِ حُصَيْنٍ الثَّعْلَبِيِّ بِمَعْنَاهُ ) : أَيْ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ السَّابِقِ .
قَالَ فِي التَّقْرِيبِ : ضُبَيْعَةُ بِالتَّصْغِيرِ ابْنُ حُصَيْنٍ الثَّعْلَبِيُّ ، وَيُقَالُ ثَعْلَبَةُ بْنُ ضُبَيْعَةَ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَفِي كَلَامِ الْبُخَارِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ثَعْلَبَةَ وَضُبَيْعَةَ وَاحِدٌ اخْتُلِفَ فِيهِ .