باب ما يقول إذا رجع من الغزو
بطاقات دعوية
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه أقبل هو وأبو طلحة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -[مقفله من عسفان 4/ 39]، ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - صفية مردفها على راحلته، فلما كانوا ببعض الطريق عثرت الناقة، فصرع النبي - صلى الله عليه وسلم - والمرأة، وإن أبا طلحة- قال: أحسب قال:- اقتحم عن بعيره، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا نبي الله! جعلني الله فداءك، هل أصابك من شيء؟ قال:
"لا؛ ولكن عليك المرأة"، فألقى أبو طلحة ثوبه على وجهه، فقصد قصدها، فألقى ثوبه عليها، فقامت المرأة، فشد لهما على راحلتهما، فركبا [واكتنفنا (113) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -]، فساروا حتى إذا كانوا بظهر المدينة- أو قال: أشرفوا على المدينة- قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "آيبون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون"، فلم يزل يقولها حتى دخل المدينة (*)
كانَ الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم يُحِبُّونَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أكثَرَ مِن أنْفُسِهم، ويَحرِصونَ على رِضاهُ والمُحافَظةِ على حُرَمِه، بلْ ويَفْدونَه بأنْفُسِهم إذا لَزِمَ الأمْرُ.
وفي هذا الحَديثِ يَروي أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه أقبَلَ هو وأبو طَلْحةَ رَضيَ اللهُ عنهما إلى المَدينةِ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن غَزوةِ خَيبَرَ، كما في رِوايةِ الصَّحيحَيْن، وكان مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زَوجَتُه صَفيَّةُ بِنتُ حُيَيٍّ أُمُّ المُؤمِنينَ رَضيَ اللهُ عنها، وكان مُرْدِفَها على راحِلَتِه، أي: تَركَبُ خَلفَه، والرَّاحِلةُ هي الدَّابَّةُ التي يُرتَحَلُ عليها، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تزَوَّجَ صَفيَّةَ في تلك الغَزوةِ، فلَمَّا كانوا ببَعضِ الطَّريقِ عَثَرثِ النَّاقةُ على الأرضِ، فسَقَطَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وصَفيَّةُ رَضيَ اللهُ عنها، فلَمَّا رأَى أبو طَلحةَ رَضيَ اللهُ عنه ذلك، اقتَحَمَ عن بَعيرِه، أي: رَمَى نَفْسَه مِن غَيرِ رَويَّةٍ، فقَفَزَ عنِ الجَمَلِ، فأتى رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: يا نَبيَّ اللهِ، جَعَلَني اللهُ فِداءَكَ، فأُصابُ بَدَلًا مِنكَ، ثمَّ سَأَلَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هلْ أصابَكَ مِن شَيءٍ؟ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لا، ولكِنْ عليكَ بالمَرأةِ» صَفيَّةَ، فاحفَظْها، وانظُرْ في أمْرِها، فألْقَى أبو طَلحةَ رَضيَ اللهُ عنه ثَوبَه على وَجهِه؛ حتَّى لا يَرى صَفيَّةَ، «فقَصَدَ قَصْدَها»، أيْ: تَوَجَّهَ نَحْوَها، ومَشى إلى جِهَتِها، فألْقى ثَوبَه عليها؛ لِيَستُرَها بِه، فقامَتْ صَفيَّةُ رَضيَ اللهُ عنها واعتَدَلتْ، فشَدَّ لهما الرِّحالَ وأعَدَّها على راحِلَتِهما، فرَكِبَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وصَفيَّةُ رَضيَ اللهُ عنها، فسارَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومَن معه، حتَّى إذا وَصَلوا إلى خارِجِ المَدينةِ وأشْرَفوا عليها، قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «آيِبون»، أي: راجِعونَ إلى اللهِ، «تائِبونَ» إليه، وراجِعونَ عمَّا هو مَذمُومٌ شَرعًا إلى ما هو مَحمودٌ، «عابِدونَ، لِرَبِّنا حامِدونَ»، مع عِبادَتِنا الخالِصةِ للهِ تعالَى، ومنها الحَمدُ والثَّناءُ عليه، فلم يَزَلْ يَقولُ هذه الكَلِماتِ حتَّى دَخَلَ المَدينةَ.
وفي الحَديثِ: رُكوبُ المَرأةِ خَلْفَ الرَّجُلِ، وسَتْرُها عنِ النَّاس.
وفيه: سَتْرُ مَن لا يَجوزُ رُؤيَتُه، وسَترُ الوَجْهِ عنه.
وفيه: حَمدُ المُسافِرِ للهِ تَعالى عِندَ إتيانِه سالِمًا إلى أهلِه، وسُؤالُه اللهَ التَّوبةَ والعِبادةَ.