باب ما يقول عند دخوله المسجد
سنن الترمذى
حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، عن ليث، عن عبد الله بن الحسن، عن أمه فاطمة بنت الحسين، عن جدتها فاطمة الكبرى قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم، وقال: «رب اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك»، وإذا خرج صلى على محمد وسلم، وقال: «رب اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك»،
هذا الحديثُ يَتحدَّثُ عن أدَبَيْنِ من آدابِ المسجِدِ، فتُخبِرُ فاطمةُ بِنتُ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فتقولُ: "كان رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا دخَلَ المسجِدَ"، أي: إذَا أرادَ دُخولَهُ عندَ وُصولِ بابِهِ، "صَلَّى على محمَّدٍ وسلَّمَ"، أي: ذكَرَ الصَّلاةَ والسَّلامَ على نفْسِه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بلِسانِه، "وقال: ربِّ اغفِرْ لي ذُنوبِي، وافتَحْ لي أبوابَ رَحمَتِك"، أي: طلَبَ مِنَ اللهَ ودعاهُ أنْ يَمحُوَ عنه ذَنْبَه، ويُفِيضَ عليه مِن رَحماتِه وألْطافِه، وطلَبُ غُفرانِ الذُّنوبِ إنَّما هو شُكْرٌ مِنَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للهِ عَزَّ وجَلَّ، وتَعليمٌ لأُمَّتِه.
"وإذا خرَجَ صَلَّى على محمَّدٍ وسلَّمَ"، أي: ذكَرَ الصَّلاةَ والسَّلامَ على نفْسِه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بلِسانِه، وقال: "ربِّ اغفِرْ لي ذُنوبِي، وافتَحْ لي أبوابَ فَضلِكَ"، أي: أبوابَ رِزْقِك غيرِ المَحدودِ.
وقَدْ قِيلَ: إنَّ سِرَّ تَخصيصِ الرَّحمةِ بالدُّخولِ، والفَضْلِ بالخُروجِ: أنَّ الرَّحمةَ في كِتابِ اللهِ أُرِيدَ بها النِّعَمُ المُتَعَلِّقَةُ بالنَّفْسِ والآخرةِ، كما قال تعالى: {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 32]، ومَنْ دَخَلَ المسجِدَ فإنَّه يَطْلُبُ القُرْبَ مِنَ اللهِ، ويَشتغِلُ بما يُقرِّبُه إلى ثوابِهِ وجنَّتِهِ، فَنَاسَبَ ذلك ذِكْرَ الرَّحمةِ، والفَضْلَ يُرَادُ به النِّعَمُ الدُّنيويَّةُ، كما قال تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198]، وقال: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10]، ومَنْ خَرَجَ منه فإنَّه يَطْلُبُ الرِّزقَ، فَنَاسَبَ ذلك ذِكْرَ الفَضْلِ.
وفي الحديثِ: الحثُّ على الذِّكْرِ عِنْدَ دُخُولِ المسجِدِ، وعند الخُرُوجِ منه.