باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر
بطاقات دعوية
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: انطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة بعدما ترجل وادهن، ولبس إزاره ورداءه، هو وأصحابه، فلم ينه عن شيء من الأردية والأزر تلبس، إلا المزعفرة التي تردع على الجلد، فأصبح بذي الحليفة، ركب راحلته حتى استوى على البيداء، أهل هو وأصحابه [بالحج 2/ 35]، وقلد بدنته، وذلك لخمس بقين (وفي طريق: لصبح رابعة) من ذي القعدة، فقدم مكة لأربع ليال (وفي طريق: لصبح رابعة) خلون من ذي الحجة، فطاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة، ولم يحل من أجل بدنه (17)، لأنه قلدها، ثم نزل بأعلى مكة عند الحجون، وهو مهل بالحج، ولم يقرب الكعبة بعد طوافه بها حتى رجع من عرفة، وأمر أصحابه أن يطوفوا بالبيت، وبين الصفا والمروة، ثم [يحلقوا، أو 2/ 189] يقصروا من رؤوسهم، ثم يحلوا. (وفي الطريق الأخرى: فأمرهم أن يجعلوها عمرة)، وذلك لمن لم يكن معه بدنة قلدها، ومن كانت معه امرأته فهي له حلال، والطيب والثياب
بَيَّن النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحكامَ الحَجِّ والعُمرةِ وسُننَهما وآدابَهما، بالقولِ والفِعلِ، ونقَلَ الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم ما سَمِعوه وما رَأَوه مِنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في ذلك.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي عبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَرَج مِن المدينةِ مُتوجِّهًا إلى مكَّةَ في حَجَّةِ الوَداعِ لخَمسِ لَيالٍ بَقِينَ مِن ذي القَعْدةِ بعْدَ ما سَرَّح شَعرَه، وتَطيَّبَ بالمِسكِ والرَّوائحِ الطَّيِّبةِ، ولَبِسَ ثِيابَهُ، فلم يَنْهَ عن شَيءٍ مِن الأَرْديةِ -جمْعُ رِداءٍ، وهو للنِّصفِ الأعلى مِن الجَسدِ- والأُزُرِ -جمْعُ إِزارٍ، وهو للنِّصفِ الأسفلِ مِن الجسَدِ- أنْ تُلْبَسُ إلَّا الملابسَ المَصْبوغةَ بالزَّعفَرانِ التَّي تُؤثِّر في بَدَنِ لابِسها بِلَونِها أو رِيحِها.
فأصبَح بذي الْحُلَيْفَةِ، وهي قَريةٌ بيْنها وبيْن المدينةِ سِتَّةُ أميالٍ أو سبعَةٌ (10 كم)، وهي مِيقاتُ أهلِ المدينةِ ومَن مرَّ بها مِن غيرِ أهْلِها، وركِبَ راحِلتَه -وهي ناقتُه، وتُسمَّى راحلةً؛ لأنَّه يَرتحِلُ عليها- حتَّى اعْتَدَلَ بها على البَيداءِ، وهي مَكانٌ بالقُربِ مِن ذي الحُلَيفةِ مِن جِهةِ مكَّةَ، وسُمِّيتْ بَيداءَ؛ لعدَمِ وُجودِ مَعالِمَ فيها مِن أبْنيةٍ ونحوِها، و«أهلَّ» مِن الإهلالِ، وهو رفْعُ الصَّوتِ بالتَّلبيةِ، وصِيغتُها: «لَبَّيكَ اللَّهمَّ لَبَّيك، لَبَّيك لا شَريكَ لك لَبَّيك، إنَّ الحمْدَ والنِّعمةَ لك والمُلكَ، لا شَريكَ لك». ولم يكُنْ هذا الإهلالُ بِدايةَ إحْرامِه؛ فإنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحرَمَ مِن مَسجِد ذي الحُلَيْفةِ، وأهَلَّ إهلالَه الأوَّلَ مِن هناكَ، ثمَّ أهَلَّ إهلالَه الثَّانيَ حينَ استَقلَّت به ناقتُه -أي: قامتْ وارْتَفَعَت-، ثمَّ أهَلَّ للمرَّةِ الثَّالثةِ حينَ عَلا شَرَفَ البَيْدَاءِ.
فقَدِمَ مَكَّةَ لأربعِ لَيالٍ خَلَونَ مِن ذي الحِجَّة، أي: أنَّه قَدِمَ صَبيحةَ اليومِ الرَّابعِ منه، فطافَ بالبَيتِ طَوافَ القُدومِ، وسَعى بيْن الصَّفا والمَروةِ، فأتمَّ بذلك العُمرةَ، ولم يَتحلَّلْ مِن إحرامِه بسَببِ أنَّه قدْ ساقَ الهَدْيَ وقَلَّدَه -وتقليدُ البَدنةِ أنْ يُعلَّقَ في عُنقِها شيءٌ ليُعلَمَ أنها هَدْيٌ-، فاستَمرَّ في نُسكِه، ثمَّ نَزَلَ بأعلى مَكَّةَ عند الحَجونِ، وهو جَبَلٌ مُشرِفٌ على المُحَصَّبِ على بُعدِ مِيلٍ ونِصفٍ مِن البَيتِ، ولم يَقرَبِ الكَعبةَ بعْدَ طَوافِه بها حتَّى رَجَعَ مِن عَرَفَةَ.
وأمَرَ أصحابَه الذين لم يكُنْ معهم هَدْيٌ أنْ يَطَّوَّفوا بِالبَيتِ وبيْن الصَّفا والمَروةِ، ثمَّ يُقَصِّروا مِن رُؤوسِهم، فيَفسَخوا الحجَّ إلى العُمرةِ، ويتَحلَّلوا بالطَّوافِ والسَّعيِ، وذلكَ لمَن لَم يكُن معه بَدنةٌ، فأمْرُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بِفَسْخِ الحجِّ إلى العُمرةِ خاصٌّ بمَن لم يَسُقِ الهَدْيَ.
ثُمَّ أوضَحَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِمَن تَحلَّلَ أنْ مَن كانتْ معهُ امْرَأَتُه فَهي له حَلالٌ بالمُعاشَرةِ والجِماعِ، ويَحِلُّ له الطِّيبُ والثِّيَابُ، ومِن هُنا سُمِّيَ هذا النُّسُكُ بالتَّمتُّعِ، ويَستمِرُّ على ذلك حتَّى يومِ الثامنِ مِن ذي الحجَّةِ، فيُحرِمُ للحَجِّ ويُكمِلُ مَناسِكَه.
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ التَّطيُّبِ قبْلَ الإحرامِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ التَّمتُّعِ بالعُمرةِ في أشهُرِ الحجِّ.