باب غزوة الخندق: وهي الأحزاب2
بطاقات دعوية
عن عائشة رضي الله عنها: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر}؛ قالت: كان ذاك يوم الخندق.
الابْتِلاءُ والامْتِحانُ مِن سُنَّةِ اللهِ في عِبادِه، والمؤمِنُ يُبْتَلى على قَدْرِ دِينِه، ولَمَّا كان نَصيبُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن الإيمانِ النَّصيبَ الأكمَلَ، ونال أصْحابُه رَضيَ اللهُ عنهم مِن بَعدِه مِن الإيمانِ الحظَّ الأوفَرَ؛ كان ابْتِلاؤُهم شَديدًا.
وفي هذا الحَديثِ تَذكُرُ أُمُّ المؤمِنينَ عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ قَولَ اللهِ تعالَى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10] يُخبِرُ عن حالِ المسلمينَ يومَ الخَندَقِ، وكانت هذه الغَزْوةُ سَنةَ خَمسٍ مِن الهِجْرةِ، وكانت تلك الغَزْوةُ مِن أشَدِّ الابْتِلاءاتِ عليهم، والمَعنى: إذِ اجْتمَعَ المُشرِكونَ عليكم مِن أعْلى المَدينةِ، مِن قَبائلِ غَطَفانَ وهَوازِنَ، وانضَمَّ إليهم بَنو قُرَيْظةَ بعْدَ أنْ نَقَضوا عُهودَهم، ومِن أسفَلِ المَدينةِ ومِن تَحتِها، وهمْ قُرَيشٌ ومعَهم أحابيشُهم وحُلفاؤُهم، والمُرادُ مِن ذلك أنَّ المُشرِكينَ أحاطوا بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وبأصْحابِه مِن كلِّ الجَوانِبِ، حتَّى زاغَتْ أبْصارُ المؤمِنينَ، فلمْ تَعُدْ تَنظُرُ إلى شَيءٍ إلَّا إلى عَدُوِّها مُقبِلًا مِن كلِّ جانِبٍ، وفزِعَت قُلوبهم فزَعًا شَديدًا، حتَّى لكأنَّها قدِ انتقَلَتْ مِن أماكِنِها إلى أعْلى، حتَّى قارَبَت أنْ تَخرُجَ مِن أفْواهِهم، وقولُه تعالى: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} بَيانٌ لمَا دارَ في عُقولِهم مِن أفْكارٍ حين رأَوُا الأحْزابَ وقدْ أحاطوا بالمَدينةِ، أي: وتَظنُّونَ أيُّها المؤمِنونَ باللهِ تعالَى الظُّنونَ المُختَلِفةَ؛ فمنكم مَنِ ازْداد يَقينًا على يَقينِه، وازْدادَ ثِقةً بوَعدِ اللهِ تعالَى وبنَصرِه، ومنكم مَن كان أقلَّ مِن ذلك في ثَباتِه ويَقينِه، ومنكم مَن كان يُظهِرُ أمامَكمُ الإيمانَ والإسْلامَ، ويُخْفي الكُفرَ والعِصْيانَ، وهمُ المُنافِقونَ، وهؤلاء ظنُّوا الظُّنونَ السَّيِّئةَ؛ بأنِ اعْتَقَدوا بأنَّ الدَّائرةَ ستَدورُ عليكم.
كان هذا هو الحالَ إلى أنْ مَنَّ اللهُ على المُسلِمينَ بنَصْرِه، فهزَمَ الأحْزابَ وَحْدَه، وسلَّطَ عليهمُ الرِّيحَ والمَلائكةَ، {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر: 31]، وانتَصَرَ المُسلِمونَ فيها بغَيرِ قِتالٍ بمَنِّهِ وفَضلِه سُبحانَه وتعالَى، كما قال اللهُ تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} [الأحزاب: 9].
وفي الحَديثِ: بَيانُ نِعَمِه سُبحانَه وفَضلِه على المؤمِنينَ، ونَصْرِه لهم.