باب مناقب سالم مولى أبى حذيفة رضي الله عنه
بطاقات دعوية
عن مسروق قال: ذكر عبد الله عند عبد الله بن عمرو، فقال: ذاك رجل لا أزال أحبه بعدما سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول:
"استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود -فبدأ به- وسالم مولى أبي حذيفة، وأبى بن كعب، ومعاذ بن جبل". قال: لا أدري بدأ بأبي أو بمعاذ؟
كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أكمَلَ النَّاسِ أخْلاقًا، زَكَّاه ربُّه، وأثْنى عليه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عَمرِو بنِ العاصِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يكُنْ فاحِشًا ولا مُتفَحِّشًا، أي: لم يكُنْ يَتكلَّمُ بالقَبيحِ ولا يَتكلَّفُ الكَلامَ به، فالفُحشُ هو التَّكلُّمُ بالقَبيحِ، والفُحشُ: زيادةُ الشَّيءِ على المَأْلوفِ مِن مِقْدارِه. والمُتفَحِّشُ: الَّذي يَتكلَّفُ ذلك ويَتعمَّدُه؛ لفَسادِ حالِه، وقدْ يكونُ المُتفَحِّشُ الَّذي يَأْتي الفاحِشةَ، فكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يَصدُرُ منه الكَلامُ القَبيحُ طَبعًا، ولا تَطبُّعًا، ولا مُجاراةً لغَيرِه، فلا يَستفِزُّه السُّفهاءُ فيُجاريَهم في سَفَهِهم؛ لأنَّه أملَكُ النَّاسِ لغَرائزِه وانْفِعالاتِه النَّفْسيَّةِ، فإذا تَجرَّأَ عليه سَفيهٌ بالشَّتيمةِ لا يرُدُّ عليه بمِثلِها امتِثالًا لأمرِ ربِّه الَّذي أدَّبَه بقولِه: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199].
وأخبَرَ أيضًا أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يقولُ: «إنَّ مِن أحَبِّكم إلَيَّ أحسَنَكم أخْلاقًا»؛ لأنَّ حُسنَ الخُلقِ مِن تَمامِ الإيمانِ، وهو صِفةُ أنْبياءِ اللهِ تعالَى وأوْليائِه، وحَقيقةُ حُسنِ الخُلقِ: بَذلُ المَعْروفِ، وكَفُّ الأذى، وطَلاقةُ الوَجهِ، ومُخالَطةُ النَّاسِ بالجَميلِ، والبِشرُ والتَّودُّدُ لهم، والإشْفاقُ عليهم، واحْتِمالُهم، والحِلمُ عنهم، والصَّبرُ عليهم في المَكارِهِ، وتَركُ الكِبرِ والاسْتِطالةِ عليهم، ومُجانَبةُ الغِلَظِ والغَضبِ والمؤاخَذةِ.
وأخبَرَ أيضًا أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أوْصى بطلَبِ قِراءةِ القُرآنِ على أربَعةٍ، وهمْ: عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ، وسالمٌ مَوْلى أبي حُذَيْفةَ، وأُبَيُّ بنُ كَعبٍ، ومُعاذُ بنُ جَبلٍ رَضيَ اللهُ عنهم، وتَخْصيصُ هؤلاء الأربَعةِ بأخْذِ القُرآنِ عنهم؛ إمَّا لأنَّهم كانوا أكثَرَ ضَبطًا له، وأتقَنَ لأدائِه، أو لأنَّهم تَفرَّغوا لأخْذِه منه مُشافَهةً، وتَصدَّوْا لأدائِه مِن بعْدِه؛ فلذلك ندَبَ إلى الأخذِ عنهم، لا أنَّه لم يَجمَعْه غيرُهم.
وفي الحَديثِ: الحثُّ على حُسنِ الخُلقِ.
وفيه: بَيانُ فَضيلةِ صاحِبِ الخُلقِ الحسَنِ.