باب من سأل عن ظهر غنى 1
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن فضيل، عن عمارة ابن القعقاع، عن أبي زرعة
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سأل الناس أموالهم تكثرا، فإنما يسأل جمر جهنم، فليستقل منه أو ليكثر" (1).
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم حَريصًا على تَعليمِ المسلمين وتَربِيَتِهم على حُسنِ المُعامَلَةِ، وحُسنِ الطَّلَبِ بعِزَّةِ نَفْسٍ في كلِّ الأُمورِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنَّ مَن طَلَب مِنَ النَّاسِ إعطاءَه مِن أموالِهم دونَ حاجةٍ أو فَقْرٍ منه، وإنَّما يَطلُبُ المالَ لِزِيادَةِ مالِه وتَكثيرِه، فإنَّ نَتيجةَ هذا السُّؤالِ أنْ يكونَ هذا المالُ في الآخِرَةِ جَمْرًا يُصلَى به، كما دلَّتْ روايةٌ أُخرَى في سُننِ ابنِ ماجه: «فإنَّما يَسأَلُ جَمْرَ جَهَنَّمَ»، وسُمِّىَ التَّكَثُّرُ جَمْرًا؛ لأنَّ الجَمْرَ مُسبَّبٌ عنه، وهو كقولِه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} الآيةَ [النساء: 10].
وبعْدَ هذا التَّرهيبِ والتَّوضيحِ، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «فَلْيَسْتَقِلَّ، أوْ لِيَسْتَكْثِرْ»، أي: لِيَأْخُذِ السَّائِلُ قَليلًا مِن ذلك الجَمْرِ، أو لِيَأْخُذِ الكثيرَ منه، والأمرُ للتَّهديدِ والوعيدِ والتَّهكُّمِ.
وقدْ فوَّض النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أمْرَ التَّقليلِ أو الاستِزادَةِ إلى السَّائلِ؛ زَجْرًا له عن ذلك؛ فإنَّ السُّؤالَ إذلالٌ للنَّفْسِ، واللهُ تعالَى لا يُحِبُّه للمؤمنِ، والمُسلِمُ يَنبغِي أنْ يكونَ عَزِيزَ النَّفْسِ.
وفي الحديثِ: التَّرهيبُ مِن أكلِ أموالِ النَّاسِ بالباطِلِ.
وفيه: بيانُ ذمِّ مَسألةِ النَّاسِ دونَ ضَرورةٍ.
وفيه: بَيانُ عُقوبةِ مَن أكثَرَ مِن سُؤالِ النَّاسِ.
وفيه: أنَّ يوْمَ القيامةِ هو يوْمُ وُقوعِ الجَزاءِ الأوفى؛ مِن ثَوابٍ، أو عِقابٍ.