باب من مر على ماشية قوم أو حائط هل يصيب منه؟ 1
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا شبابة بن سوار (ح)
وحدثنا محمد بن بشار ومحمد بن الوليد، قالا: حدثنا محمد بن جعفر، قالا: حدثنا شعبة، عن أبي بشر جعفر بن أبي إياس، قال:
سمعت عباد بن شرحبيل - رجلا من بني غبر - قال: أصابنا عام مخمصة، فأتيت المدينة، فأتيت حائطا من حيطانها، فأخذت سنبلا ففركته فأكلته وجعلته في كسائي، فجاء صاحب الحائط، فضربني وأخذ ثوبي، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، فقال للرجل: "ما أطعمته إذ كان جائعا أو ساغبا، ولا علمته إذ كان جاهلا" فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - فرد إليه ثوبه، وأمر له بوسق من طعام أو نصف وسق (1).
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم خيرَ مُعلِّمٍ وأحسنَ مُرَبٍّ، وكان يُعلِّمُ النَّاسَ أُمورَ الدِّينِ بالحِكْمةِ والموعظةِ الحَسَنةِ ويُرشِدُهم إلى الصَّوابِ وتَرْكِ الجَهالاتِ، فكان مُعلِّمًا بقولِه وفِعلِه. وفي هذا الحديثِ يقولُ عَبَّادُ بنُ شُرَحْبِيلَ- وهو رجلٌ مِن بَني غُبَرَ-: "أصابَنا عامُ مَخمَصةٍ"، أي: عامُ جوعٍ وقَحْطٍ، "فأَتيتُ المدينةَ، فأتيتُ حائِطًا مِن حيطانِها"، والحائِطُ يُطلَقُ على البُستانِ أو الحَقْلِ المحاطِ بسُورٍ، "فأخَذتُ سُنبُلًا ففَرَكتُه"، أي: أخرَجتُ ما فيه مِن الحبوبِ، "وأكَلتُه وجعَلتُه في كِسائي"، أي: ووضَعتُ ما بَقي مِن حَبٍّ في ثَوبي، "فجاء صاحِبُ الحائطِ فضَرَبني وأخَذ ثوبي"، جزاءً على تَعدِّيه، قال عبَّادٌ: "فأتَيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فأخبَرتُه"، أي: أخبَره بما أكَل وضَرْبِ الرَّجُلِ له، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم للرَّجلِ: "ما أطعَمتَه إذْ كان جائعًا- أو ساغِبًا-"، أي: ما رَفَقتَ به للجوعِ الَّذي عِندَه، والسَّاغِبُ بمعنى الجائعِ، وإنَّما هي مُكرَّرةٌ على سَبيلِ الشَّكِّ مِن الرَّاوي، "ولا عَلَّمتَه إذْ كان جاهِلًا"، أي: ولم تَحرِصْ بضَربِك إيَّاه على تَعليمِه معنى الإذنِ في الأخذِ مِن مالِ الغيرِ، فعَذَره النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بالجهلِ حينَ حمَل الطَّعامَ، ولامَ صاحِبَ الحائطِ؛ إذ لم يُطعِمْه إذْ كان جائِعًا، "فأمَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فرَدَّ إليه ثوبَه وأمَر له"، أي: لِعَبَّادٍ، "بوَسْقٍ مِن طَعامٍ أو نِصفِ وَسْقٍ"، والوَسْقُ وِعاءٌ يسَعُ سِتِّينَ صاعًا، والصَّاعُ أربعةُ أمدادٍ، والمُدُّ مِقدارُ ما يَملَأ الكَفَّينِ المعتَدِلَينِ مِن الطَّعامِ, وورَد في السُّننِ عن رافِعِ بنِ خَديجٍ رَضِي اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أنَّه قال: "لا قَطْعَ في ثمَرٍ ولا كَثَرٍ"، وهذا مِن تَيسيرِ الإسلامِ ومُراعاتِه لأحوالِ النَّاسِ، مع تَقْييدِه للأخْذِ بما يَسُدُّ الرَّمَقَ ويَقطَعُ الجوعَ، وليس للاكْتِنازِ والادِّخارِ. وفي هذا الحَديثِ تربيةٌ نبويَّةٌ حيث كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم رفيقًا هيِّنًا ليِّنًا سَهلًا في تَعامُلِه، وفي أقوالِه وأفعالِه، وكان يُحِبُّ الرِّفقَ، ويَحُثُّ النَّاسَ على الرِّفقِ، ويُرغِّبُهم فيه. ... وفي الحديثِ: الحثُّ على إطعامِ الجائعِ وتعليمِ الجاهلِ