باب من يؤمر أن يجالس

باب من يؤمر أن يجالس

 حدثنا هارون بن زيد بن أبى الزرقاء حدثنا أبى حدثنا جعفر - يعنى ابن برقان - عن يزيد - يعنى ابن الأصم - عن أبى هريرة يرفعه قال « الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ».

كان النبي صلى الله عليه وسلم خبيرا بأحوال بني آدم ومعادنهم من حيث النفاسة والوضاعة والخسة، كما كان بصيرا بأحوال القلوب والأرواح التي تسكن بين جوانح الناس، فعلمنا من ذلك كله ما ينفعنا في الدنيا والآخرة؛ لنحسن اختيار الناس والتعامل معهم، كل بحسب حاله
وفي هذا الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الناس معادن» أي: أصول مختلفة ما بين نفيس وخسيس، كما أن المعدن كذلك، والمعادن جمع معدن، وهو الشيء المستقر في الأرض، وكل معدن يخرج منه ما في أصله، وكذا كل إنسان يظهر منه ما في أصله من شرف أو خسة، «خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا»، أي: إن من كان له أصل شريف في الجاهلية ثم أسلم، فإنه يبقى على هذا الشرف إذا صار فقيها في دينه؛ فإن الأفضل من جمع بين الشرف في الجاهلية والشرف في الإسلام، ثم أضاف إلى ذلك التفقه في الدين، والجاهلية: فترة ما قبل الإسلام؛ سموا به لكثرة جهالاتهم
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن «الأرواح جنود مجندة»، أي: جموع مجتمعة، أو أنواع مختلفة، «فما تعارف منها» بأن توافقت في الأخلاق والصفات، وقعت بينها الألفة والاجتماع في هذه الدنيا، وجمعها الصحبة والود، وأعانت بعضها على هموم الدنيا. «وما تناكر منها»: بمعنى: تنافر في عالم الأرواح، ولم يتشابه ويتوافق ويتناسب، «اختلف» في هذه الدنيا، وإن تقاربت جسدا؛ فالائتلاف والاختلاف للأرواح في هذه الدنيا مرده إلى كونها مجبولة على صور مختلفة وشواكل متباينة قديما في عالم الأرواح؛ فكل ما تشاكل منها وتشابه، تعارف في هذه الدنيا، ووقع بينه التآلف، وكل ما كان في غير ذلك في عالم الأرواح، تناكر في هذه الدنيا؛ فالمراد بالتعارف ما بينها من التناسب والتشابه، وبالتناكر ما بينها من التباين والتنافر، ويحتمل أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشر، والصلاح والفساد، وأن الخير من الناس يحن إلى شكله، وأن الشرير يميل إلى نظيره، فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها من خير وشر، فإذا اتفقت تعارفت، وإذا اختلفت تناكرت
وفي الحديث: فضل التقوى والعمل الصالح والفقه في الدين
وفيه: أن طيب النسب معتبر في رفع منزلة الرجل إذا كان مؤمنا تقيا فقيها
وفيه: أن الإنسان إذا وجد من نفسه نفرة عن ذي فضل وصلاح، فعليه أن يبحث عن المقتضي لذلك؛ ليسعى في إزالته، فيتخلص من الوصف المذموم، وكذا عكسه