باب تحزيب القرآن
حدثنا حفص بن عمر أخبرنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد قال سألت أبا مسعود وهو يطوف بالبيت فقال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة فى ليلة كفتاه ».
القرآن كله كلام الله تعالى، وقد فضل سبحانه، وخص بعض سوره وآياته بفضل خاص على باقي الآيات
وفي هذا الحديث يبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عظيم أجر قارئ آخر آيتين من سورة البقرة، وهما قوله تعالى: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير * لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} [البقرة: 285، 286]، حيث أخبر صلى الله عليه وسلم أن من قرأهما في ليلة حفظتاه من الشر، ووقتاه من المكروه، وقيل: أغنتاه عن قيام الليل؛ وذلك لما فيهما من معاني الإيمان، والإسلام، والالتجاء إلى الله عز وجل، والاستعانة به، والتوكل عليه، وطلب المغفرة والرحمة منه
ومعنى الآيتين: يخبر تعالى أن رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم آمن بما أوحاه الله إليه من الكتاب والسنة، وكذلك فعل المؤمنون، فكل من الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين قد آمن بالله، وجميع ملائكته، وكتبه، ورسله بلا تفريق بينهم، فلا يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، وقال جميع المؤمنين: سمعنا قول ربنا، وقبلناه، وعملنا بمقتضاه، ودعوا ربهم أن يغفر ذنوبهم، معترفين ومقرين بأن إليه المعاد والمرجع.
ثم امتن الله تعالى على عباده أنه لا يحمل نفسا فوق طاقتها، فلا يفرض عليها من العبادة إلا ما كان بمقدورها تحمله، ولكل نفس ما عملت من خير، وعليها ما عملت من شر، ثم أمر عباده أن يدعوه بألا يعاقبهم عند النسيان أو الخطأ، وألا يحملهم من الأعمال الشاقة والثقيلة عليهم كما كلف بها الأمم الماضية، وألا يكلفهم من الأعمال ما لا يطيقون القيام به، وأن يغفر لهم ويرحمهم؛ فهو وليهم، وأن ينصرهم على من كفر به عز وجل