باب فى ميراث ذوى الأرحام
حدثنا عبد السلام بن عتيق الدمشقى حدثنا محمد بن المبارك حدثنا إسماعيل بن عياش عن يزيد بن حجر عن صالح بن يحيى بن المقدام عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول « أنا وارث من لا وارث له أفك عانيه وأرث ماله والخال وارث من لا وارث له يفك عانيه ويرث ماله ».
( أَفُكُّ عُنِيَّهُ ) : بِضَمِّ عَيْنٍ وَكَسْرِ نُونٍ وَتَشْدِيدِ يَاءٍ بِمَعْنَى الْأَسْرِ . قَالَ الْخَطَّابِيُّ : هُوَ مَصْدَرُ عَنَا الرَّجُلُ يَعْنُو عُنُوًّا وَعُنِيًّا ، وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى عَنِيَ يَعْنِي . وَمَعْنَى الْأَسْرِ هَاهُنَا هُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ذِمَّتُهُ وَيَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْجِنَايَاتِ الَّتِي سَبِيلُهَا أَنْ تَتَحَمَّلَهَا الْعَاقِلَةُ ، وَبَيَانُ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ يَعْقِلُ عَنْهُ وَيَرِثُ مَالَهُ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَتَأَوَّلَ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِتَوْرِيثِهِمْ حَدِيثَ الْمِقْدَامِ عَلَى أَنَّهُ طُعْمَةٌ أَطْعَمَهَا عَلَيْهِ السَّلَامُ الْخَالَ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ لَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لِلْخَالِ مِيرَاثٌ ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا جَعَلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَخْلُفُ الْمَيِّتَ فِيمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ مِنَ الْمَالِ سَمَّاهُ وَارِثًا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ كَمَا قِيلَ الصَّبْرُ حِيلَةُ مَنْ لَا حِيلَةَ لَهُ ، وَالْجُوعُ طَعَامُ مَنْ لَا طَعَامَ لَهُ انْتَهَى مُخْتَصَرًا
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ مُنَازِعِينَا لَا يَضُرُّ الْحَدِيثَ شَيْئًا لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُمْ يَحْكُمُونَ بِزِيَادَةِ الثِّقَةِ . وَالَّذِي وَصَلَهُ ثِقَةٌ ، وَقَدْ زَادَ ، فَيَجِبُ عِنْدَهُمْ قَبُولُ زِيَادَتِهِ
الثَّانِي أَنَّهُ مُرْسَلٌ قَدْ عَمِلَ بِهِ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ ، كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ ، وَمِثْلُ هَذَا حُجَّةٌ عِنْدَ مَنْ يَرَى الْمُرْسَلَ حُجَّةً ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ
وَأَمَّا حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى الْخَالِ الَّذِي هُوَ عَصَبَتُهُ : فَبَاطِلٌ يُنَزَّهُ كَلَامُ الرَّسُولِ عَنْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ ، لِمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنَ اللَّبْسِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا عَلَّقَ الْمِيرَاثَ بِكَوْنِهِ خَالًا ، فَإِذَا كَانَ سَبَبُ تَوْرِيثِهِ كَوْنَهُ ابْنَ عَمٍّ أَوْ مَوْلًى ، فَعَدَلَ عَنْ هَذَا الْوَصْفِ الْمُوجِبِ لِلتَّوْرِيثِ إِلَى وَصْفٍ لَا يُوجِبُ التَّوْرِيثَ . وَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمَ . فَهَذَا ضِدُّ الْبَيَانِ ، وَكَلَامُ الرَّسُولِ مُنَزَّهٌ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ
وَأَمَّا قَوْلُهُ : قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْخَالَ لَا يَكُونُ ابْنَ عَمٍّ ، أَوْ مَوْلًى لَا يَعْقِلُ بِالْخُؤُولَةِ فَلَا إِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ أَصْلًا ، وَأَيْنَ الْإِجْمَاعُ ؟
ثُمَّ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى خِلَافِهِ فِي التَّعَاقُلِ ، فَلَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى عَدَمِ تَوْرِيثِهِ ، بَلْ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يُوَرِّثُونَهُ ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ ، فَكَيْفَ يُتْرَكُ الْقَوْلُ بِتَوْرِيثِهِ لِأَجْلِ الْقَوْلِ بِعَدَمِ تَحَمُّلِهِ فِي الْعَاقِلَةِ ؟
وَهَذَا حَدِيثُ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالْخِمَارِ ، وَالْمَسْحِ عَلَى الْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ ، وَالْمَسْحِ عَلَى النَّاصِيَةِ وَالْعِمَامَةِ قَدْ أَخَذُوا مِنْهُ بِبَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ بَصْرَةَ بْنِ أَبِي بَصْرَةَ فِي الَّذِي تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَوَجَدَهَا حُبْلَى أَخَذُوا بِبَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ
وَقَوْلُهُ : لَوْ كَانَ ثَابِتًا يَكُونُ فِي وَقْتٍ كَانَ الْخَالُ يَعْقِلُ بِالْخُؤُولَةِ : فَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى النَّسْخِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ إِثْبَاتُهُ إِلَّا بَعْدَ أَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : ثُبُوتُ مُعَارَضَتِهِ الْمُقَاوِمَ لَهُ
وَالثَّانِي : تَأَخُّرُهُ عَنْهُ . وَلَا سَبِيلَ هُنَا إِلَى وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ
وَقَوْلُهُ : اخْتَارَ وَضْعَ مَالِهِ فِيهِ ، يَعْنِي عَلَى سَبِيلِ الطُّعْمَةِ لَا الْمِيرَاثِ : فَبَاطِلٌ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ يُبْطِلُهُ فَإِنَّهُ قَالَ " يَرِثُ مَالَهُ " وَفِي لَفْظٍ " يَرِثُهُ "