باب من يعطى من الصدقة وحد الغنى
حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد الله - يعنى ابن عمر بن غانم - عن عبد الرحمن بن زياد أنه سمع زياد بن نعيم الحضرمى أنه سمع زياد بن الحارث الصدائى قال أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبايعته فذكر حديثا طويلا قال فأتاه رجل فقال أعطنى من الصدقة. فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « إن الله تعالى لم يرض بحكم نبى ولا غيره فى الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك ».
كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على تعليم المسلمين وتربيتهم على حسن المعاملة، وحسن الطلب بعزة نفس في كل الأمور، وفي هذا حرص على أن تظل العلاقة بين المسلمين علاقة طيبة ليس فيها كره وما يشبه ذلك
وهذا الحديث يوضح جانبا عمليا من هذه التربية النبوية، وله مقدمة توضيحية تبين السبب الملجئ الذي أجبر الصحابي قبيصة بن مخارق رضي الله عنه على طلب العون من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال قبيصة رضي الله عنه: «تحملت حمالة»، أي: تكفلت دينا، والحمالة: هي المال الذي يتحمله الإنسان ويستدينه ويدفعه في إصلاح ذات البين، كالإصلاح بين قبيلتين، ونحو ذلك. ولو سأل المتحمل من يعينه في تلك الحمالة، لم يعد ذلك نقصا في قدره، بل شرفا وفخرا، ولذلك سأل هذا الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يعينه على حمالته تلك على عادتهم، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بحكم المعونة على المكرمة، فطلب منه النبي صلى الله عليه وسلم أن ينتظر حتى تأتيه الصدقة من زكوات الناس، فيعطيه النبي صلى الله عليه وسلم منها، وإنما حلت له المسألة واستحق أن يعطى من الزكاة؛ لأنه استدان لغير معصية، ولأنه غارم من جملة الغارمين المذكورين في آية الصدقات
ثم وضح له النبي صلى الله عليه وسلم له الأصناف التي تحل لها أن تسأل الناس؛ فأما الصنف الأول: فمن تحمل دينا على نفسه للإصلاح بين الناس، فهذا يطلب من الناس مالا، حتى يصيب ويأخذ ما تحمله من الحمالة، فيأخذ من الصدقة بقدرها، ثم يمسك ويمتنع عن المسألة والطلب
والصنف الثاني الذي تحل له المسألة: «رجل أصابته جائحة» والجائحة: الآفة التي تهلك الثمار والأموال، وتستأصلها، فمن أصابته الآفة السماوية، واستأصلت ثماره أو أمواله، فهذا حلت له المسألة حتى يحصل على ما يقوم بحاجته الضرورية، وما يتقوم به من العيش، والقوام والسداد: هما ما يغني من الشيء، وما تسد به الحاجة، وكل شيء يسد به شيء فهو سداد
والصنف الثالث الذي تحل له المسألة: رجل أصابه الفقر الشديد، واتضح وظهر، حتى يشهد ثلاثة من قومه من ذوي الفهم والعقل يقولون: «لقد أصابت فلانا فاقة»، وقيدهم بذوي العقول تنبيها على أنه يشترط في الشهادة التيقظ، فلا تقبل من مغفل، وجعلهم من قومه؛ لأنهم أعلم بحاله
وهؤلاء هم الذين تحل لهم المسألة كما ورد في الحديث، وغير ذلك من المسألة يكون سحتا، يأكلها صاحبها سحتا، والسحت: هو الحرام الذي لا يحل كسبه؛ لأنه يسحت البركة، أي: يذهبها. والمراد بالأكل مطلق الانتفاع
وقوله: «يأكلها صاحبها سحتا» يفيد أن آكل السحت لا يجد للسحت الذي يأكله شبهة تجعلها مباحة لنفسه، بل يأكلها من جهة السحت والحرام
وفي الحديث: النهي عن مسألة الناس إلا للضرورة الملجئة
وفيه: بيان أصناف من تحل لهم المسألة مع بيان الأسباب الملجئة لذلك
وفيه: أن من أخذ أموال الناس بغير حق، فإنه يأكل سحتا وحراما