باب: نسخ متاع المتوفى عنها بما فرض لها من الميراث 1
سنن النسائي
أخبرنا زكريا بن يحيى السجزي خياط السنة، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا علي بن الحسين بن واقد، قال: أخبرني أبي، قال: حدثنا يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج} [البقرة: 240] «نسخ ذلك بآية الميراث مما فرض لها من الربع والثمن، ونسخ أجل الحول، أن جعل أجلها أربعة أشهر وعشرا»
كان عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما مِن الراسِخينَ في العِلمِ، وكان منذُ صغره يُقدَّمُ على غيرِه من أبناءِ سِنِّه، وقد دعا له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ يُفقِّهَه في الدِّينِ ويُعلِّمه التأويلَ؛ فكان مرجعًا في تَفسيرِ القرآنِ
وفي هذا الأثرِ يُخْبِرُ عِكرمةُ مَولى ابنِ عبَّاسٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما في تأويلِه لقولِه تعالى: "{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240]: أنَّ هذا الحُكمَ الذي فيها قد "نُسِخَ بآيةِ الميراثِ، ممَّا فُرِضَ لها من الرُّبعِ والثُّمنِ"، أي: إنَّ الوصيَّةَ بالمتاعِ للزَّوجاتِ لمُدَّةِ عامٍ نُسِخَت بنَصيبِهنَّ من الميراثِ؛ فلها الرَّبعُ عندَ عدَمِ وُجودِ الفَرعِ الوارثِ- وهو ولدُ الزَّوجِ ابنًا كان أو بِنتًا، سواءٌ منها أو مِن غيرِها- والثُّمنُ عندَ وُجودِه؛ فقد كانتِ السُّكنَى للمُتوفَّى عنها زوجُها هو متاعُها من زَوجِها، ثمَّ نُسِخَ ذلك بما فرَضَ اللهُ لها من الميراثِ. والنَّسخُ: هو إزالةُ ما استقرَّ مِن الحُكمِ الشرعيِّ بخِطابٍ آخَر مِن اللهِ تعالى أو من نَبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم، لولاه لكان الحُكمُ السابقُ ثابتًا، ومِن حِكمتِه: التدرُّجُ في أحكامِ الشَّرعِ؛ فيَحصُلُ به التربيةُ والتهذيبُ، وهو أيضًا بيانٌ لرحمةِ اللهِ تعالى؛ إذ يَشرَعُ لهم ما هو أخفُّ عليهم بحسَبِ ما يَعلَمُ من أحوالِهم
قال ابنُ عبَّاس رضِيَ اللهُ عنهما: "ونُسِخَ أجَلُ الحولِ أنْ جُعِلَ أجَلُها"، أي: إنَّه كما نُسِخَت الوصيَّةُ بآيةِ الميراثِ، كذلك نُسِخَ الأجَلُ المحدودُ بالحولِ في عِدَّةِ المُتوفَّى عنها زوجُها، وجُعِلَت عِدَّتُها "أربعةَ أشهرٍ وعشْرًا"، وذلك لمَن لم تكُنْ حاملًا، أمَّا الحاملُ المُتوفَّى عنها زوجُها؛ فانتهاءُ عِدَّتِها يكونُ بوَضعِ الحمْلِ