باب هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه
بطاقات دعوية
عن عائشة قالت: ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإذا
أصابه شيء من دم قالت بريقها فقصعته بظفرها (3).
في هذا الحَديثِ إشارةٌ إلى شِدَّةِ عَيشِ أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وما كانوا عليه مِن الزُّهدِ والتقلُّلِ مِن متاعِ الدُّنيا، وفيه تقولُ أمُّ المُؤمنِينَ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها: ما كان لإحدانا إلَّا ثوبٌ واحدٌ، وتقصِدُ بإحدانا: زوجاتِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمَّهاتِ المؤمنينَ؛ فإنَّهنَّ رغْمَ وُجودِهنَّ في بَيتِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإنَّ الواحدةَ منهنَّ لم تكُنْ تملِكُ سِوى ثوبٍ واحدٍ، وكُنَّ راضياتٍ بما قسَمه اللهُ لهنَّ، ولا يُعارِضُ ما ذكرَتْه عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها في هذا الحديثِ ما جاء في صَحيحِ البُخاريِّ عن أمِّ سلَمةَ رَضيَ اللهُ عنها: أنَّه كان لها أكثرُ مِن ثَوبٍ؛ لأنَّ مَقصدَ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها في هذا الحَديثِ ما كان في بَدْءِ الإسلامِ؛ فإنَّهم كانوا حينَئذٍ في شدَّةٍ وقِلَّةٍ، ولَمَّا فتَح اللهُ الفتوحَ، واتَّسَعت أحوالُهم، اتَّخذَتِ النِّساءُ ثيابًا للحَيضِ سِوى ثيابِ لباسِهنَّ. ويَحتمِلُ أن يَكونَ مُرادُ عائشةَ بَقولِها: «ثوبٌ واحدٌ» أي: مختصٌّ بالحَيضِ، وليس في السِّياق ما يَنفي أن يكونَ لها غيرُه في زمنِ الطُّهرِ، فيوافق حديثَ أمِّ سلَمةَ مِن هذا الوجهِ أيضًا.وكانتِ الواحدةُ مِن نساءِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا أصاب ثوبَها شَيءٌ مِن دمِ الحَيضِ كانت تضَعُ عليه مِن ريقِها، ثمَّ تقصَعُه بظُفرِها، فتفرُكُه وتحُكُّه بظُفرِها حتَّى تُزيلَ أثَر الدَّمِ. وقيل: كانت تفعلُ ذلك؛ لأنَّ هذا الدمَ الَّذي قصَعَتْه قليلٌ مَعفوٌّ عنه؛ فلذا لم تذكُرْ هنا أنَّها غسَلَتْه بالماءِ. وكذلك لم تذكُرْ أنَّها صلَّتْ في هذا الثَّوبِ بعْدَ إزالةِ أثرِ الدَّمِ بريقِها وحَكِّه بظُفرِها، وإنَّما أزالَتِ الدمَ بريقِها لِيَذهَبَ أثرُه، ولم تَقصِدْ تطهيرَه، وقد ورَد عنها في صحيحِ البُخاريِّ ذِكرُ الغَسلِ بعْدَ القَرْصِ والفَرْكِ، وقالت: «ثمَّ تصَلِّي فيه»؛ فدَلَّ على أنَّها عندَ إرادةِ الصَّلاةِ فيه كانت تَغسِلُه لتَستطيعَ الصَّلاةَ فيه بعْدَ ذلك.