باب هل يقرع في القسمة والاستهام فيه
بطاقات دعوية
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"مثل القائم على (وفي رواية: مثل المدهن في 3/ 164) (14) حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم [فتأذوا به]، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا؛ هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم؛ نجوا ونجوا جميعا. (وفي رواية: فتأذوا به، فأخذ فأسا، فجعل ينقر أسفل السفينة، فأتوه، فقالوا: ما لك؟ قال: تأذيتم بي، ولا بد لي من الماء، فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم، وإن تركره أهلكوه وأهلكوا أنفسهم) "
الأمرُ بالمَعروفِ والنَّهيُ عن المنكَرِ مِن أجَلِّ العِباداتِ؛ فَبِه يَقومُ أمرُ المسلمينَ، ويَنصَلِحُ حالُ أُمَّتِهم، وبدُونِه تَنهَدِمُ هذه الأُمَّةُ.
وفي هذا الحديثِ يَضرِبُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَثَلًا لأهَمِّيَّةِ القيامِ بالأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عن المنكَرِ، فمَثَّل القائمينَ بِحُدودِ اللهِ -وهم المُستَقِيمون على أمرِ الله، الآمِرُون بالمعروفِ النَّاهُون عن المنكرِ- والواقعين في حدود الله -أي: التارِكين للمعروف، والمرتكبين للمنكر- بِرُكَّابٍ رَكِبوا في سَفِينةٍ، تَنازَعوا مَن يكونُ في أعْلاها ومَن يكونُ في أسْفَلِها، فاقْتَرَعوا على مَن يَجلِسُ أعلَى السَّفِينَةِ ومَن يَجلِسُ أسْفَلَها، فنال بَعضُهم بالقُرعةِ أعْلاها، وبَعضُهم نالَ بالقُرعةِ أسْفَلَها، وكان الَّذين في الأسفَلِ إذا أرادوا جَلْبَ الماءِ مَرُّوا على مَن فَوقَهم مِن أهْلِ الأدوارِ العُلْيا، وفي مَوضعٍ آخَرَ في صَحيحِ البُخاريِّ قال: «فتَأذَّوا به»، ففي ذَهابِهم وإيابِهِم وإمرارِهم بالماءِ عليهم أذيَّةٌ لمَن همْ في أعْلى السَّفينةِ، فقال الذين في الأسفَلِ: لو أنَّا خَرَقْنا خَرْقًا في نَصِيبِنا الَّذي في الأسفَلِ، فجَلَبْنا الماءَ مُباشَرةً دونَ أنْ نَصعَدَ لأعلَى السَّفينةِ ونَضُرَّ مَن في الأعلَى؛ لَكان أفضَلَ، وفي رِوايةٍ في البُخاريِّ قال: «فأخَذَ فأْسًا، فجَعَلَ يَنقُرُ أسفَلَ السَّفينةِ»، فلو ترَكَهم مَن بالأعْلى يَفعَلون ذلك، لَغَرِقَتِ السَّفينةُ بهمْ جميعًا؛ لأنَّ مِن لازِمِ خَرْقِ السَّفينةِ غَرَقُها وأهْلِها. ولو قامُوا بِنَهْيِهم عن ذلك ومَنَعوهم مِن ارتِكابِ هذا الخَطأِ، لَنَجى الفريقانِ جَميعًا.
فهذا حالُ الآمِرِين بالمعروفِ النَّاهِين عن المنكَرِ، لو تَرَكوا ذلك لَهلَكَتِ الأُمَّةُ بأَجْمَعِها، ولو فَعَلوه ونَهَوُا النَّاسَ عن المُنكَرِ لَصَلَح حالُ الجميعِ.