باب {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله}

بطاقات دعوية

باب {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله}

 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: آخر آية نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - آية الربا.

كان القرآنُ يَنزِلُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُفرَّقًا حَسَبَ الحوادِثِ والأحوالِ، وحسَبَ ما تقتضيه حِكمةُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ في تربيةِ المجتَمَعِ الإسلاميِّ الوليدِ، فكانت تنزلُ عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الآيةُ أو الآياتُ فيقولُ لهم: ضَعُوها في سُورةِ كذا، أو السُّورةِ الَّتي فيها كذا.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما أنَّ آخِرَ آيةٍ نزَلَتْ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هي آيةُ الرِّبا، ومَقصودُه الآياتُ الثَّلاثُ الأُوَلُ مِن قولِه تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 278 - 281]؛ لأنَّه قد جاء في روايةٍ أخرى في سُنَنِ النَّسائيِّ الكبرى عنه، أنَّه قال: آخِرُ آيةٍ نزَلَتْ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281].
وفي حديثِ البراءِ رَضِيَ اللهُ عنه في الصَّحيحَينِ: إنَّ آخِرَ آيةٍ نزلتْ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176]، ويُجمَعُ بيْنهما بأنَّ الآيتينِ نزَلَتا جَميعًا، فيَصدُقُ أنَّ كُلًّا منهما آخِرٌ بِالنِّسبةِ لِمَا عَداهما، وقيلَ: الآخِرِيَّةُ في آيةِ النِّساءِ مُقيَّدةٌ بما يَتعلَّقُ بالمواريثِ، بخلافِ آيةِ البقرةِ، أو أنَّ ما نقله ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما ليس نصًّا مرفوعًا إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإنما هو استقراءٌ لِما عَلِمَه واطَّلع عليه.
وقَولُ ابنِ عبَّاسٍ رضِي اللهُ عنهما: آخِرُ آيةٍ نزلَتْ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم آيةُ الرِّبَا، يعني: تأخَّرَ نُزولُ الآياتِ المتعلِّقةِ به مِن سُورةِ البقرةِ، وأمَّا حُكْمُ تَحريمِ الرِّبَا فنُزولُه سابقٌ لذلك بمُدَّةٍ طَويلةٍ.